هاشم علي حامد8 يونيو، 2022
051 32 دقائق
تمهيد
سياسات القوى الدولية تجاه السودان وإثيوبيا تأتي ضمن حسابات المدى القريب والبعيد، محكوما بوضع كل دولة في ثقلها وتأثيرها، فضلا عن وضعيتها في العقيدة الدولية، وتقسيمات التقارب والتباعد مع القوى الدولية وموقعها من خدمة النظام العالمي القائم.
هناك حدود للعلاقات وظروف تحكمها وأحداث تؤثر فيها، فرغم القناعات في العقيدة الدولية إلا أن المصالح لها سلطانها، وتأثيرها، فضمن ما تشهده الأوضاع في الخليج العربي وانعكاساتها على القرن الأفريقي يُنظر لدور هاتين الدولتين، وضمن التفاعلات الإقليمية في القرن الأفريقي والنطاق الإقليمي بصفة عامة يهرع لدورهما فمن النماذج الراهنة الدور الإثيوبي تجاه الصومال والدور السوداني في قضية سلام جنوب السودان.
فضمن تفاعلات الصراع في جنوب السودان بعد الاستقلال بين الحكومة بقيادة سلفاكير ميارديت والمعارضة بزعامة رياك مشار هرعت القوى الدولية للتنسيق مع كل من الدولتين. إذن ضمن ما تستجد به الأحداث في منطقة القرن الأفريقي عامة تُحمّل المنطقة تبعات الصراع والحل للدولتين بحكم الجوار، والأيدي القريبة من الحدث كما حدث بالفعل إبان الأزمة الصومالية والدور الإثيوبي في القضاء على حكومة “المحاكم الإسلامية” المتشددة نهاية القرن الماضي.
السياسات الدولية تجاه الدولتين تشمل الاقتصاد كما السياسة ولا يغيب عنها النظرة المستقبلية للمنطقة كبعد إستراتيجي في مصالح القوى الدولية.
السودان وإثيوبيا وما يجمع بينهما من مصالح ونقائض كلها خاضعة لحسابات العلاقات والأدوار في عرف السياسة الدولية ومصالح القوى الكبرى التي تستغل هذه العلاقات تارة في تقاربها وأخرى في تباعدها، وتحريك أدوات التنافس لخلق واقع يخدم المصالح ويحقق الأهداف، وفي حيثيات العلاقة هناك كذلك الدولة المصرية التي تربطها بالدولتين (السودان وإثيوبيا) قدر المياه وما يحيط هذه القضية الهامة من تعقيّدات، ومن ثم يُنظر لتوظيف علاقات الدول الثلاث فيما بينها لتحقيق غايات وأهداف وفق تقديرات المصالح. هناك كذلك علاقة مصر بإثيوبيا ضمن الواقع الجديد الذي يفرزه سد النهضة الإثيوبي كبعد في توازن المصالح التي تدخل فيها إسرائيل من جهة أخرى باعتبارات قضية الشرق الأوسط والمصالح الأمريكية والغربية والتوازن الدولي.
المبحث الأول: السودان وإثيوبيا ضمن خارطة الصراع الدولي
تحرك القوى الدولية أدواتها في إحكام هيمنتها على العالم وفق فلسفة القناعات والعقيدة المتبناة وتجاوب كل دولة مع النظام الدولي السائد. وضمن ذلك لا تغفل سياسة القوى الدولية وظائف الدول وما ينبغي أن يكون لكل منها من دور خاصة في عالمنا الثالث، ليس من باب التقدير بقدر ما هو من باب التوظيف لما يمكن أن تُؤديه في محصلة الربح والخسارة ضمن اللعبة الدولية. فالدول الأفريقية رغم الاستقلال الذي حققته شعوبها تجد نفسها في كثير من ظروف الصراع الدولي ناقصة الإرادة والقرار حتى في خصوصيات أحوالها وعلاقاتها بعضها ببعض بسبب ضغوط تُحمل عليها تارة عبر ترغيب وإشعار بخصوصية المكانة، وأخرى عبر ترهيب، وتارة عبر إشعارها بعدم المسؤولية ومن ثم فرض عقوبات وإملاءات معينة عليها كأنموذج (السودان ودارفور)!!
إذا أخذنا أولى الفرضيات بشأن الدولتين السودان وإثيوبيا ضمن العقيدة الدولية المتنفذة يأتي التصنيف الحضاري-الأيديولوجي كمؤشر هام لما يمكن أن يُؤكل للدولتين من واجبات تكون منسجمة مع تركيبتهما الحضارية إثيوبيا ضمن هذا الافتراض يُنظر إليها من خلال الإرث التاريخي كونها دولة (مسيحية) في تصنيف نظامها وتوجهها الحضاري منذ أزمان بعيدة، وكونها الأقرب للفكر والشعور الغربي، فضلا عما تحتله من موقع جغرافي حساس قريب ومتداخل مع الأوساط العربية والإسلامية ومنطقة الشرق الأوسط مما يكسبها تعاطف مشوب بحذر.
هذه النظرة إلى جانبها نظرة أخرى فيما لها من تاريخ حضاري ومواقف ليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع النظام العالمي في كل الأحوال، وضمن الحوادث التي يشهد بها التاريخ المعاصر على أنفة الفعل السياسي الإثيوبي، ما كان من أمر الملك الإثيوبي ثيودور الثاني الذي حكم إثيوبيا خلال القرن التاسع عشر حينها أعلنت الدول الاستعمارية الكبرى تأييدها لحكمه ودعمها لتوسع مملكته وكان من إنجازاته أدخال شكل من أشكال التحديث في الإدارة، وعمل على تكوين جيش لتقوية الإمبراطورية.[1] بيد أن تلكؤ الملكة فكتوريا ملكة بريطانيا في الرد على رسالة سلمها ثيودور إلى القنصل البريطاني تعبر عن رغبته في التعاون بين المملكتين المسيحيتين (الحبشة وبريطانيا) أدى إلى اعتقاله عدداً من الرعايا البريطانيين فأرسلت بريطانيا لإطلاق سراحهم، حملة عسكرية بقيادة اللورد نابير Napierr قدم لها حلفاء محمد علي باشا المؤن والمساعدات عند رسوها قرب مصوع الخاضعة آنذاك للحكم المصري، فطاردت الملك الإثيوبي حتى أضُطر إلى الانتحار عام 1868م بعد أن حوصر في قلعة مجدلة Magdalaa إلى الجنوب الشرقي من لاليبلا- ثم دعمت القوى الاستعمارية آنذاك حليفها كاساي حاكم إقليم تيغراي.[2]
لكن مهما يكن من أمر فإثيوبيا ذات موقع متميز في الحسابات الدولية منذ العهود القديمة مما يجعلها مقدمة على غيرها من دول المنطقة دعما ورعاية اهتماما بما يعوًل عليها من لعب دور إقليمي في منطقة القرن الأفريقي الساخنة.
خلال العقود الثلاثة الماضية ظل الدور الإثيوبي بارزا في تطورات المنطقة وخاصة في الصومال إبان الحرب الأهلية بعد الإطاحة بحكومة سياد بري في عام 1992. (كما أشرنا)، وفي قضية استقلال جنوب السودان مع حكومات الخرطوم المتعاقبة دعماً للحوار، واستضافة لفعاليات السلام إلى حين انفصال جنوب السودان أخيرا، ولا تزال إثيوبيا تلعب دورها في الملف السوداني في قضية دارفور، وتبعات ما بعد انفصال الجنوب الخ، (تلك المهام التي أشرنا لها من قبل)، حيث تشارك الآن بما يزيد على (أربعة الف جندي) ضمن قوات حفظ السلام (اليونيسفا) التابعة للأمم المتحدة في منطقة أبيي[3] المختلف حولها بين السودان ودولة جنوب السودان.
هذا بالإضافة لأدوارها في الإتحاد الأفريقي وقوات السلام الدولية، ومنظمة الإيقاد وأنشطة الأمم المتحدة في أفريقيا.
السودان عبر تاريخه قبل وبعد الاستقلال عام 1956م ظل يٌمثل أهميةً كبيرة للقوى الغربية كبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
احتل مكانة محورية في الفكرِ الإستراتيجي الأمريكي، نظراً للعديدِ من العوامل الإستراتيجية والاقتصادية، من بينها موقعه الجغرافي في القارة الأفريقية، حيث يقع على البحرِ الأحمر ذلك الممر المائي الحيوي على الصعيدِ العالمي والإقليمي، هذا بالإضافة لموارده الاقتصادية المتعدِدة؛ حيث يوجد به مخزون ضخم من النفطِ الذي يُعَدُّ مصدرَ الطاقةِ الأول في العالم، هذا من جانب، وامتلاكه مساحات واسعة من الأراضي الزراعيَّة والعديد من الثروات المعدنيَّة، ومصادر مُتَنَوِّعة من الموارد المائية من جانب آخر. ولهذا فمصالح الولايات المتحدة في السودان ليست جيوبوليتيكية، وليست جيو/إستراتيجيَّة، ولا مصالح آنية، وإنَّما مصالح على المدى البعيد.
ومن ثم لم تأخذ العلاقاتُ السودانيَّة الأمريكية منذ استقلال السودان شكلاً مُستقراً، حيث ظلَّت مُتَأَرْجِحةً بين التهدئةِ والتصعيد، ويعود ذلك إلى تبايُنات القوى ودوائر صنع القرار في الإدارات الأمريكية المُتَعَاقِبة، خاصةً المُتَعَلِّقة بالسياسةِ الخارجيَّة تجاه السودان[4].
تأتي مكانة السودان بالإضافة لإمكانياته الاقتصادية بحيثيات التحديات التي تواجه المنطقة الأفريقية سواء ضمن يوميات السياسة والأحداث على المدى القريب، أو بحكم موقعه الاستراتيجي الرابط بين أفريقيا والعالم العربي والنظرة المستقبلية في مخططات النظام العالمي الذي يهدف للحفاظ على توازنات المنطقة للإبقاء على المصالح الغربية على المدى البعيد.
السودان على الصعيد المحلي وضعت عليه الكثير من القيود مكبلة لاي نشاط أو تحرك لا يُرضي مخططات القوى الدولية، ونسبة لتاريخه الحضاري الذي يظل موصولا بالمحيط العربي والإسلامي يأتي تعامل القوى الغربية بوضعه في بورة الحذر حيال أي تأثير سلبي على مجريات الأحداث بالمنطقة الإقليمية ومنطقة القرن الأفريقي على وجه الخصوص.
خلال عهد نظام الإنقاذ السابق برئاسة الرئيس عمر البشير فرضت القوى الدولية الكثير من الضغوط على الحكومة السودانية مما أدى الى انفصال الجنوب، ونقلت هذه القوى مؤنها لتأجيج الحرب الأهلية في إقليم دارفور، الى جانب فرضها ضغوطاً سياسيةً واقتصاديةً تُمارس عليه، ولا يزال السودان يعاني وطأتها بهدف وضعه ضمن طرق ومنطلقات النظام الدولي[5].
فرضت الإدارات الأميركية المتعاقبة على البيت الأبيض منذ (1988-2017م) عقوبات متتالية صدرت إما بأوامر تنفيذية من الرئيس الأمريكي أو بتشريعات من الكونغرس الأميركي، وهدفت إلى الضغط على هذا البلد المتهم برعاية ما يسمى الإرهاب.
فيما يلي أبرز تواريخ العقوبات والإجراءات الأميركية التي طالت السودان منذ عام 1988 وحتى 2017م.
1988: تعرض السودان لعقوبات أميركية بسبب تخلّفه عن سداد الديون.
1993: واشنطن تدرج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ردا على استضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1991، قبل أن يغادر الخرطوم عام 1996، تحت وطأة ضغوط أميركية على السودان.
3 نوفمبر/تشرين الثاني 1997: بقرار تنفيذي من الرئيس الأميركي بيل كلينتون، واشنطن تفرض عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأميركية له، وألزمت الشركات الأميركية والمواطنين الأميركيين، بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع هذا البلد.
20 أغسطس/آب 1998: سلاح الجو الأميركي وبأمر من الرئيس كلينتون يقصف ما قالت الخرطوم إنه مصنع للأدوية في العاصمة، مملوك لرجل أعمال سوداني، بحجة تصنيعه أسلحة كيميائية.[6]
2001: عقب هجمات 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة الأميركية، طرأ تغيير في العلاقة بين البلدين، حيث أبرمت الخرطوم مع واشنطن اتفاق تعاون في محاربة الإرهاب.
غير أن الإجراءات الأميركية تواصلت ضد الخرطوم، لكن هذه المرة من خلال تشريعات أصدرها الكونغرس.
2002: صدر “قانون سلام السودان”، وربط العقوبات الأميركية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان.
2006: فرض الكونغرس الأميركي عقوبات ضد “الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.
– الرئيس الأميركي جورج بوش الابن يحظر ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودانيين، شملت 133 شركة وثلاثة أفراد.
13 أكتوبر/ تشرين الأول 2006: الرئيس بوش يدعي أن سياسات حكومة السودان تهدد أمن وسلام وسياسة أميركا، خاصة سياسة السودان في مجال النفط.
نوفمبر/تشرين الثاني 2012: الرئيس باراك أوباما يجدد العقوبات الأميركية المفروضة على السودان رغم إقراره بأن النظام السوداني حل خلافاته مع جنوب السودان، ويحذر من أن الصراعات في إقليم دارفور وغيره ما زالت تمثل عقبات خطيرة على طريق تطبيع العلاقات بين واشنطن والخرطوم.
17 فبراير/شباط 2015: إدارة الرئيس أوباما تعلن تخفيف العقوبات على السودان، بما يسمح للشركات الأميركية بتصدير أجهزة اتصالات شخصية، وبرمجيات تتيح للسودانيين الاتصال بالإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
نوفمبر/تشرين الثاني 2016: إدارة أوباما تمدد لمدة عام عقوباتها المفروضة على الخرطوم، غير أنها أشارت إلى إمكان رفعها في حال حقق هذا البلد الأفريقي تقدما.
13يناير/كانون الثاني 2017: البيت الأبيض يعلن رفعا جزئيا لبعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على الخرطوم، ويقول إن ذلك نتيجة للتقدم الذي أحرزه السودان، لكن الإدارة الأميركية أبقت السودان على لائحة الدول الداعمة للإرهاب.
يذكر أن تقارير أميركية كانت صدرت أشارت إلى تعاون السودان في مكافحة الإرهاب، منها تقرير لوزارة الخارجية عام 2006، وآخر للكونغرس عام 2009م[7].
يلاحظ من جملة هذه العقوبات أنها تهدف الى نوع من السيطرة على توجهات وسياسات السودان الداخلية والخارجية، بهدف جعله منقادا للراي الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في جملة القضايا المحلية كجنوب السودان ودارفور فضلا عن انقياده للتوجهات الأمريكية في المنطقة الإقليمية.
من جانب أخر فضمن الأحداث التي يشهدها العالم هناك العديد من التطورات في منطقة الشرق الأوسط والقرن الأفريقي نتيجة تبعات ما يعرف اصطلاحا بإفرازات الربيع العربي الذي أدى الى تغييرات سياسية واجتماعية، ولازالت أثاره تعصف وتعاني منها بعض الدول، وما لها من انعكاسات في منطقة الخليج العربي والقرن الأفريقي. كالحرب في اليمن والتي قادتها أطراف عربية وخليجية فيما يُعرف بقوات التحالف العربي الذي يضم في مقدمته المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية وقوات دول أخرى، في مواجهة جماعة أنصار الله الحوثيين (جماعة يمنية طائفية تدين بالمذهب الشيعي) المدعومة من دولة ايران. هذه ظروف جديرة في أن تُؤثر على الدولتين السودان وإثيوبيا ضمن تحركات دولية وإقليمية مؤثرة تعمل لاستقطاب وفرض رؤى معينة على دول المنطقة كافة بما يخدم مصالحها عبر منطقة القرن الأفريقي.
استغلال القوى الدولية للبيئات السياسية الأفريقية:
أسلوب الاستقطاب بالإضافة لما تُمليه ظروف إقليمية ودولية، يجد بيئة مشجعة لاستثماره في ظروف عاشتها الكثير من الدول الأفريقية التي لم يكن هناك تصالح بينها وبين مواطنيها نتيجة تسلط أو قهر أو فساد.
يقول الكاتب برهان غليون:
“يقود فقد المسؤولية الى فروض الوصاية الدولية، وللمسؤولية السياسية في هذا السياق ثلاثة أبعاد أو وجوه، الوجه الأول هو مسؤولية النخب أو الطبقات السياسية تجاه المسائل التي تتعلق بتسيير البلاد التي تحكمها حسن إدارتها لمواردها وتثميرها لها فلم يعد الحكم داخل أي بلد مسألة خاصة بالنخب الحاكمة، ولكنه أصبح هو نفسه مسألة من مسائل الإدارة الدولية بقدر ما أصبح للسياسات الفاسدة في أي بلد نتائج أو عواقب مباشرة على سياسات ومصير المجتمعات والبلدان الأخرى القريبة والبعيدة معا. ومن هنا فإن النخب التي تظهر مقدرة ضعيفة على إدارة موارد البلاد التي تحكمها وتتعرض باستمرار لتحديات داخلية لا تنجح في معالجتها بغير العنف وإسالة الدماء وتبقي الباب مفتوحا بشكل دائم أمام اضطرابات وقلاقل حاملة لمخاطر كبيرة لها ولجيرانها وللمجتمعات الأخرى، تفقد الصدقية العالمية وتصبح هي نفسها هدفا لضغوطات وإستراتيجيات إقصاء خارجية تقودها تلك الدول التي تعتقد أنها الأكثر تعرضا للإساءة أو لمخاطر سياساتها اللاعقلانية والضيقة الأفق. وهذا ما سوف يجعل من التدخل في شؤون الدول أمرا طبيعيا وواردا.[8]
الوجه الثاني للمسؤولية السياسية المنتظرة من الحكومات اليوم كي تحظى بالصدقية العالمية، يتعلق بطبيعة السياسات والممارسات الإقليمية التي تظهرها النخب الحاكمة.وتنبع أهمية هذا الوجه من حقيقة أنه لم يعد هناك أمل لدولة بتحقيق أهدافها الإنسانية داخل أراضيها، أي من تنمية الموارد المادية والمعنوية وتحسين شروط حياة الأفراد والجماعات، من خلال الاعتماد على مواردها الخاصة وحدها وتثميرها حتى لو حصل ذلك بأفضل السبل والوسائل.
أما الوجه الثالث للمسؤولية السياسية فهو يشير إلى المقدرة التي تملكها قيادة سياسية أو نخبة حاكمة على الارتفاع فوق المصالح القومية الضيقة من أجل ضمان الاتساق والانسجام العالميين وتعزيز فرص وشروط الأمن والسلام الدوليين. الى جانب هذه الفرضيات التي تُشير الى مسؤوليات العالم الثالث المستهدف بهذا الأسلوب من التعامل، تكون النظرة الدولية ضمن الأيديولوجية والديانة الدولية الغالبة وفق المصالح والحفاظ عليها هي الفيصل في تفاصيّل مجمل التحركات الدولية، سواء كانت تحركات تقريب أو إبعاد أو نبذ أو عقوبات، وضمن ذلك توظف الدول وتكتسب كل دولة مكانتها وواجباتها [9].
السودان رغم التغيير السياسي الذي اعتراه وأودى بنظام الإنقاذ لا تزال مواقف القوى الدولية سالبة في التعامل معه مما يدل أن الاستجابة لإملاءات القوى الدولية ليس أمرا كافيا في سبيل حفظ المصالح ونيل الاحترام الدولي.
كثير من الدول وعبر تجارب كالتي يعيشها السودان فرضت إرادتها في بناء شعوبها ونجحت في تحقيق خطوات متقدمة من النماء معتمدة على نفسها في تحقيق طفرات اقتصادية متقدمة مما ساعد في فرض ذاتها ككيان إقليمي.
السودان وإثيوبيا كدول أفريقية ذات مسؤولية إقليمية في المنطقة، يتطلبهما واقع التحديات الاعتماد على النفس الى أقصى حد ممكن، وتحقيق تعاون علمي مدروس يتحقق من وراءه نهضة تنشدها الشعوب، وتستجيب لواقعها القوى الدولية.
ومن أهم الوسائل لتحقيق ذلك والانفكاك من قيود الاستعمار الحديث ممثلا في سياسات القوى الدولية، تبني عقيدة الاعتماد على النفس، وتبني التكامل والتعاون المشترك في كآفة المجالات وليكن واقع سد النهضة بداية جديدة في سياسة البلدين التكاملية.
المبحث الثاني: العوامل المشتركة والمتباينة في سياسة الدولتين
تعمل الدولتان وفق قناعة إرساء تعاون وسلام محلي وإقليمي يمكنّهما من تنّمية شعوبهما وتأتي سياسة الدولتان متوافقة على تحقيق أكبر قدر من التعاون والاستقرار، ولما كانت هناك العديد من العوامل المشتركة سواء في البيئة السياسية أو الاجتماعية مما يؤدي الى تأثير متبادل يمكن توظيفه، خلصت قناعة الدولتين لاستغلال ذلك لترقية إنسان المنطقة.
السودان وإثيوبيا يعتبران من الدول الرئيسة في منطقة القرن الأفريقي فما يجري بينهما يؤثر تأثير مباشرا على المنطقة برمتها، وهذا ما أدركته المنظومة السياسية في البلدين وفق تجارب وظروف صعبة عاشها البلدان نتيجة عدم استقرار ومجاعات وفقر وتخلف، وتبادلات حروب أوقدت فتنها السياسات المنحرفة التي تسببت في الصراعات التي انعكست آثارها في الإلهاء عن فروض التعاون والتواصل واستغلال الفرص المشتركة لخلق تنمية وواقع يرقى بإنسان المنطقة.
ظلت سياسة البلدين منجرة الى ترميم النوايا التي أخذت وقتا ثمينا افتقده الالتفات الى النواحي المشتركة من إمكانيات، وتوافقات اجتماعية، وبيئية وثروات تنتظر الاستغلال لمصالح البلدين. “إن مبدأ تقنين وتنظيم التعاون الدولي والإقليمي بين الدول بغرض خدمة المصالح وحمايتها هو القاعدة الأساسية التي تقوم عليها الدبلوماسية منهجا وممارسة[10].
لقد عاش القرن الأفريقي ظروفا سياسية صعبة نتيجة استقطاب استهدف دوله، ورغم ما تمثله دولتا السودان وإثيوبيا من وزن سياسي في المنطقة إلا أنهما انجرا للظروف الحادثة، والتي غلب عليها الطابع المأساوي بسبب عدم الاستقرار الذي جاء بفعل الحرب والنزاع.
ومن اهم الصراعات التي شهدتها المنطقة خلال خواتيم القرن الماضي حرب الاستقلال الإريترية الى جانب حرب جنوب السودان، واللتان شكلتا محور عداء بين الحكومتين الإثيوبية والسودانية خاصة خلال عهدي الرئيس الإثيوبي السابق منغستو هيلا ماريام والرئيس السوداني جعفر نميري، أدى النزاع بينهما ودعم كل طرف لمناوئي الأخر الى انعكاسات إقليمية خطيرة عانت منها المنطقة تمثلت في الحروب وعدم الاستقرار وخلق واقع مأساوي لا تزال أثاره باقية.
مع مطلع ثمانينات القرن الماضي عصفت بالإقليم كوارث طبيعية خلفت واقعا إنسانيا محزنا وارتبط اسم القرن الأفريقي في الإعلام العالمي بجيوش الجياع والمشردين ونشطت الهجرات البشرية و انتشرت ظواهر النزوح الداخلي، علاوة على تفشي الأوبئة والأمراض جاءت فكرة إنشاء منظمة لمكافحة الجفاف والتصحر فكرة سودانية تنادي بإنشاء منظمة شبه إقليمية لهذا الغرض.
وبعد مضي عشرة أعوام على أداء المنظمة وفي ظل التحولات الدولية التي ألقت بظلالها على الإقليم تبيًن أن المساعدات والإغاثات ليست سوى مسكنات لحظية تتفادى بها الدول الأزمات في ظروف زمنية محددة وأدرك قادة الدول الأعضاء أن التنمية الشاملة المستدامة بشقيها البشري والمادي هي السبيل الوحيد لخلاص الإقليم مما هو عليه من تخلف وتدهور اقتصادي مريع[11].
من اهم المؤشرات المتفق حولها في سياسة البلدين أهمية التعاون واستغلال الفرص المتاحة وخلق واقع جديد يعوض ما ضاع من سنين. وتعتبر هيئة الإيقاد التي تشكل فيها الدولتان حضورا رئيسيا من التجارب الناجحة التي أفلحت في محاصرة الكثير من المشاكل على مستوى الإقليم، تبنى البلدان قناعات التعاون والعمل المشترك لاستغلال إمكانياتهما في التنمية، والبناء وعملا وفق فلسفات متباينة المسميات لكنهما متصلتا الفكرة في العمل لتحقيق السلام الاجتماعي والإقليمي واتخاذه منطلقا الى أفاق التنمية واللحاق بركب الدول الناجحة.
اتخذت إثيوبيا فلسفة ونهج (النمو والتحول) كسياسة شاملة لمختلف الجوانب تشترك في تنفيذها كل اطر الدولة وفق زمن محدد وميزانيات مرصودة وسياسات مرشدة الى الوصول الى أهداف معينة، إثيوبيا خطت في ذلك وانعكس النجاح في الإيقاع السريع الذي تسير به الدولة.
السودان ورغم الظروف التي أحاطت به من استهداف خارجي وعقوبات اقتصادية نجح هو الآخر في تحقيق تنمية في المشاريع الزراعية وتعبيد الطرق الاستراتيجية المُعينة في تحقيق التنمية، وتحقيق قدر من الانطلاق، وجاء انفصال الجنوب عبر استفتاء شعبي كهدف في تحقيق السلام السوداني بعد حرب استمرت خمسين عاماً، ومن قبل نالت إريتريا استقلالها لتبني إثيوبيا فلسفة السلام كسياسية إثيوبية، ومن ثم طوى البلدان أهم الملفات الخطرة على استقرارهما (القضية الإريترية وقضية جنوب السودان) واللتان كانتا وسيلة ضغوط وتدخل من القوى الخارجية التي ظلت تستغل ظروف عدم الاستقرار لتأجيج الحروب وتسخير المنطقة لمصالحها. وبإحلال السلام تنزوي مؤثرات ظلت معطلة لمصالح الدولتين بل للمنطقة الإقليمية.
هدف ثاني تشترك سياسة الدولتين في العمل له وهو هدف التعاون وتحقيق التكامل بين الدولتين، حيث ارتقى سقف القناعات ليعلن البلدان تكاملا شاملا في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وكان البلدان قد أكملا برنامج الربط الكهربائي بين المدن الحدودية بالإضافة لما سبق من مشاريع، كما من المنتظر وضمن شعار التعاون تنفيذ خط السكك الحديدية بين البلدين بالإضافة لمنطقة التجارة الحرة المقترح إنشاؤها بمدينة بورتسودان الساحلية.
التكامل الشامل الذي أعلن عنه البلدان في إبريل عام 2017 (إبان زيارة الرئيس السوداني السابق عمر البشير لأديس أبابا) يعتبر من أهم المعالم في مسيرتهما كاستغلال حقيقي لما يجمع بينهما من علاقات وإمكانيات اقتصادية، وظروف مشتركة حيث لا تكتفي الدولتان في سياستهما المشتركة للتعاون والتكامل لشركاء دول المنطقة كالصومال وجيبوتي وإريتريا في سبيل إقامة تكتل اقتصادي لدول القرن الأفريقي حتى تصبح قاعدة نموذجية للتكتلات الاقتصادية في أفريقيا.
وكان الإعلان من قيادة البلدين في اجتماع أديس أبابا عام 2017 بمثابة ” إرسال رسالة مشتركة في أن أي تهديد لأمن أي منهما هو تهديد مباشر لأمن الطرف الآخر, وبلوغ ذروة التنسيق المشترك الذي لا تتوقف حدوده عند الأطر الاقتصادية والاجتماعية لتبلغ الأطر الأمنية.
ما يتطلبه واقع اليوم في ظل تحديات متجددة إحياء اتفاقيات التعاون المشترك التي أبرمت خلال السنوات الماضية، وتحقيقها واقعا والبناء عليها ضمن الطروف السياسية والحياتية المتغيرة في البلدين.
ملف المياه:
شمل توافق الدولتان موضوع المياه وسد النهضة ضمن أهم وأخطر ملفات العلاقة، وجاء موقف السودان حسب ما صرحت به السياسة السودانية في أهمية الاستفادة من الموارد المائية لدول حوض النيل بصورة عادلة، وأن هناك اتفاقا بشأن سد النهضة الإثيوبي الذي سيمد السودان وإثيوبيا بالطاقة الكهربائية.
- ظلت قضة المياه تشكل هاجس حقيقيا لمصر على مدى خمسين عاما بُعيد استقلال الكثير من البلدان الأفريقية والتفاتها الى معطيات أوطانها وتلمسها لحقوق ما بعد الاستقلال من معطيات حدود وثروات مكتسبة وحقوق مائية .
يشكل نهر النيل وفروعه المورد الأساسي للمياه السطحية في كل من مصر والسودان، ويقع حوضه الواسع في أجزاء من تنزانيا و كينيا وإثيوبيا وأوغندا ورواندا وبوروندي بالإضافة إلى مصر والسودان ويمكن تقسيمه من الناحية الطبيعية إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:
- حوض البحيرات الاستوائية والذي يشمل بحيرات فيكتوريا وإدوارد و كيوجا و يغذي هذا الحوض فرع النيل الأبيض.
- حوض الهضبة الإثيوبية والتي تغذي النيل الأزرق وفروعه ونهري عطبرة والسوباط اللذان يصبان في النيل.
- حوض الصحراء من مصب نهر عطبرة إلى البحر المتوسط.
يقدر الإيراد السنوي المتاح لنهر النيل حوالي 84.5 مليار متر مكعب في السنة تساهم الهضبة الاستوائية بحوالي 80% من إيراده السنوي ويأتي الباقي من هضبة البحيرات الاستوائية. تبلغ جملة الفواقد المائية للنيل وروافده بحوالي 50 مليار متر مكعب؛ وهنالك بعض المشاريع للتقليل من هذه الفواقد و تحسين إيراد نهر النيل عن طريق تصريف المياه للوادي من منطقة المستنقعات في جنوب السودان. وتشير الدراسات الأولية إلى إمكانية الاستفادة من 18 مليار متر مكعب بالسنة إذا أقيمت هذه المشاريع. وقد بوشر العمل بالمرحلة الأولى لهذه المشاريع بإنشاء قناة جونقلي للاستفادة من 8 مليار متر مكعب بالسنة، إلا إن المشاكل السياسية في (جنوب السودان) حالت دون الاستمرار بالمشروع. تعتبر كل من مصر والسودان الدولتان المنتفعتان من مياه نهر النيل. لذاك ارتبط استخدام مياهه باتفاقات ثنائية بين البلدين. وقد حددت هذه الاتفاقيات حصة مصر من النيل بحوالي 55.5 مليار متر مكعب و حصة السودان بمقدار 18.5 مليار متر مكعب وذلك بعد استبعاد فواقد التخزين المستمر في بحيرة ناصر (بحيرة السد العالي) والبالغة 10 مليار متر مكعب بالسنة.[12]
ظلت اتفاقية مياه النيل 1929 والمعدلة عام 1959 موضع خلاف بين إثيوبيا ومصر، كما ظلت قضية مياه النيل موضع مناورات وشد وجذب بين الدولتين الى حين إعلان إثيوبيا رسميا عن مشروع بناء سد النهضة في مايو (عام 2011م).
تعاملت الحكومة المصرية مع سد النهضة على أنه مهدّد للأمن القومي المصري، ولحصتها المائية الكبيرة المقررة لها والتي تبلغ نحو 68% من مياه النيل، وصنّفت الملف ضمن القضايا الإستراتيجية التي تنشط فيها الإستراتيجية الإسرائيلية لبسط نفوذها في مناطق منابع النيل والضغط على مصر من خلالها. حاولت مصر التأثير على السودان ليتبنى سياستها في التعاطي مع الملف، لكن السودان فضّل التعامل معه على قاعدة الحياد الإيجابي أيضاً، وتهيئة وضع توازنٍ صعب في العلاقات بين الجارين الإقليميين الكبيرين مصر وإثيوبيا رغم مواقفه السابقة في تأييد الموقف المصري تجاه(الاتفاقيات التاريخية لمياه النيل).[13] فحرص السودان على دور إضافي للوساطة بينهما الى جانب شراكته انسجاما مع مستقبل علاقته الإستراتيجية مع الجارة المصرية في شمال وادي النيل، ونظراً إلى مصالح حقيقية في التعاون مع جارته الإثيوبية في مجالات الزراعة، والمياه والكهرباء، والنقل والتجارة، وأمن الحدود والأمن الإقليمي والاجتماعي وكل ما يجمع بينهما من همّوم مشتركة.
هذا الموقف السوداني جعل مصر تعتقد أن الخرطوم تبتزّها في ملف إستراتيجي لا يقبل المساومة، وأنها تقترب من جدار العداوة نتيجة هذا الموقف، وأنه لا بد من اتخاذ سياسات تعيد تركيب السياسة السودانية وفق المسار الإيجابي للمصالح المصرية.[14]
إلى جانب قضية النيل فسياسة البلدين تجاه بعضهما البعض والمنطقة الإقليمية تسيرا عبر تقاطعات لسياسات مع بلدان أخرى في المنطقة الإقليمية كمصر وإسرائيل، وبالنسبة لعلاقة السودان مع مصر طغى مشروع سد النهضة والذي يظل تحديا حقيقيا بين تواثق العلاقة مع إثيوبيا بحيثيات المصالح، وضغوط الدولة المصرية على السودان بواقع المصالح المتبادلة أيضا والهوية العربية. أما الحالة الإسرائيلية بالنسبة لإثيوبيا فتنجم منها تخوفات(عربية) ظلت متوارثة على مدى كل الأنظمة التي مرت على إثيوبيا. فما تشكله العلاقة مع إسرائيل يظل موضع شكوك وتخوفات عربية مهما دفعت إثيوبيا من تطميّنات.
العلاقات السودانية المصرية:
تُشكل علاقة السودان مع مصر موضع تحدي للسياسة الإثيوبية التي تجتهد في خلق واقع لا يؤثر على مصالحها الحيوية من خلال تنامي هذه العلاقة. وتعمد الدبلوماسية الإثيوبية (كما اشرنا في مرتكزات السياسة الإثيوبية ) الى دمج السودان في محيط القرن الأفريقي ومشكلاته المتعددة والابتعاد به عن قضايا الشرق الأوسط ومصر خاصة.[15]
يقول الكاتب المصري مصطفي الفقي تضرب العلاقات المصرية السودانية بجذورها في أعماق التاريخ إذ يربط بين الدولتين تاريخ مشترك، وتداخل إنساني وثقافي عززته مياه النيل، كما تعرض البلدان لضغوط متشابهة من القوى الغربية حتى أضحى تعبير «وادي النيل» مرتبطاً بعلاقات القاهرة مع الخرطوم، وهو التعبير الذي أصبح شعاراً ناضل من أجله المصريون والسودانيون عقوداً طويلة.[16]
يضيف “عندما امتدت فتوحات محمد علي وأبنائه لتصل إلى سواحل شرق أفريقيا وتحتوي نهر النيل من المنبع إلى المصب، فإن البلدين دخلا في بوتقة واحدة تحت رعاية «العرش العلوي» وظلت مسألة السودان بنداً دائماً في أجندة المفاوضات بين مصر وبريطانيا، كما ظلت مصر امتداداً طبيعياً لجنوب الوادي تعيش قضاياه وتتفاعل مع أحداثه، ويكفي أن نتذكر هنا أن الإمام المهدي الكبير كان يفكر في مقايضة تبدأ باحتجاز القائد البريطاني في الخرطوم غوردون باشا وإطلاق سراحه فقط مقابل إعادة أحمد عرابي من منفاه في سرنديب (سريلانكا) إلى وطنه مصر، تلك الروح التي تجمع البلدين وتربط الشعبين اللذين كانا يعيشان في وطن واحد. يضيف ثم مر على العلاقات بين القاهرة والخرطوم حين من الدهر تأرجحت فيه صعوداً وهبوطاً وفقاً لأهواء الحكام وطبيعة التدخلات الأجنبية والضغوط الخارجية، وبرغم العلاقات الوثيقة بين البلدين التوأمين، إلا أنها بلغت حداً من التراجع في مراحل معينة لأسباب اختلفت ما بين مرحلة وأخرى ولعلنا نرصد هنا الملاحظات الآتية:
أولاً: لقد تأثرت العلاقات الوثيقة بين مصر والسودان بالأحداث الكبرى في كل منهما، وانعكاس ذلك مباشرة على الدولة الأخرى، فقد تحدث المؤرخون عن حملات محمد علي جنوباً وموت أحد أبنائه حرقاً في إحدى الحملات العسكرية، ثم فتح الجيش المصري للسودان وبداية العلاقة الشديدة الحساسية والبالغة التعقيد بين البلدين بفعل طرف ثالث هو الإنكليز ودورهم في تخريب جوهر العلاقة بين الشعبين وخلق تناقض في الإحساس الوطني بين كل منهما، عندما كانت سياسة «فرق تسد» هي الشعار الذي تؤمن به سلطات الاحتلال البريطاني لإحكام قبضتها على الدولتين كما غرس الإنكليز شعوراً عاماً لدى السودانيين بـ «الدونية» وتلك محاولة خبيثة وفاشلة لأن الشعب السوداني تاريخياً من أكثر شعوب المنطقة ثقافة وفكراً، وهو أيضاً شعب العلماء والشعراء والأدباء.
إلا أن قوى الاحتلال مارست دوراً تاريخياً في توسيع شقة الخلاف بين البلدين حتى جرى في النهاية صنع عقدة نفسية مركبة بين الشعبين التوأمين على مر العقود، وقد ظل البلدان يعيشان في ظل تاج أسرة محمد علي إلى أن قامت ثورة يوليو 1952، حيث كان قائدها الأول اللواء محمد نجيب شخصية مقبولة لدى السودانيين، إلا أن الصدام بينه وبين عبدالناصر وما جرى في عام 1954 من صراع على السلطة أدّيا مباشرة إلى إحياء شعور يقيني لدى السودانيين بأن «شمال الوادي» سوف يمضي في طريق مختلف، لذلك تحول زعيم الحزب الاتحادي إسماعيل الأزهري ورفاقه وفقاً لشعور سوداني إلى خيار الاستقلال الذي جرى إعلانه في أول يوم من عام 1956.
ثانياً: مرت العلاقات بين القاهرة والخرطوم بمنعطفات صعبة في فترات حكم عبدالله خليل، والفريق إبراهيم عبود وفترة الحكم الديموقراطي إلى أن قامت ثورة أيار (مايو) بقيادة جعفر نميري، لتشهد علاقة البلدين تطورا كبيرا أدى الى إعلان التكامل السوداني المصري الذي تبعه نقلة كبيرة في مسار العلاقة لتشمل تعاونا عسكريا وتكاملا اقتصاديا. [17]
يظل ملف العلاقات المصرية السودانية ضمن أهم الملفات المؤثرة في مردود العلاقات السودانية الإثيوبية ضمن مدّها وجزّرها، وتأتي العديد من القضايا في علاقة السودان بمصر سواء في حيثيات الخلاف حول إقليم حلايب السوداني الذي تحتله مصر، إضافة للتوترات التي إعتاد الإعلام في الدولتين افتعالها ضمن مجريات العلاقة، كما يأتي موضوع المياه وما يدور حوله من قضايا كقضية سد النهضة كأكبر العوائق في علاقات الدول الثلاث بعضها ببعض، ومن أهم المعطيات التي تعمل القوى الدولية لاستغلالها في عكننة أمزجة العلاقة المصرية الإثيوبية، ومن ثم انعكاس ذلك على السودان في علاقاته بكلتا الدولتين.
السودان من جهته وكتحفظ مشابه للتحفظ الإثيوبي تجاه (العلاقة مع مصر)، هناك ما يُمثّل له هاجس قلق من أي تقارب إثيوبي مع إريتريا يأتي خصما على حساب (العلاقة السودانية الإثيوبية)، خاصة في حيثيات المشاكل السياسية الداخلية التي يُعاني منها ولم يصل فيها الى حلول، سواء مع الجهات السودانية المعارضة كالحركة الشعبية لتحرير السودان جناح الشمال، أو الحركات الدارفورية المسلحة، إضافة لملفات الأحزاب السودانية المعارضة لنظام الخرطوم والتي ظلت تُشكّل لها إريتريا مأوى ودعماً موصولاً، ضمن ظروف تذبذبات العلاقة بينها وبين السودان في سنوات سابقة.
كما يشكل أي تطور تقاربي في علاقات البلدين ب (جنوب السودان-إريتريا) تقف وراءه القوى الدولية خطرا على مسار العلاقة السودانية الإثيوبية، وذلك رغم ما تُظهره حكومات البلدين من تواصل، وعلاقات خاصة مع تلكما الدولتين حديثتي الاستقلال، والنجاحات خلال المرحلة الماضية في احتفاظهما بعلاقات متوازنة معهما.
العلاقة الإثيوبية مع إسرائيل:
يري بعض الباحثين أن العلاقة الإثيوبية الإسرائيلية وطيدة ومتينة‘ ويرجعونها في الغالب الي عاملين أساسيين، أحداهما تاريخي والآخر نفسي. فالعامل التاريخي يتمثل في مزاعم الطرفين أن علاقتهما تعود الي عهد سيدنا سليمان علية السلام ,استنادا الي الخرافات الإثيوبية ’والتي تتلخص في أن بعض القوميات التي ينتمي إليها الأباطرة’ الذين حكموا إثيوبيا ينتمون إلي سلالة سيدنا سليمان، وتشير الخرافات الحبشية واليهودية إلى أن تابوت الوصايا العشر يوجد في مكان ما في جبال الحبشة.
وأما العامل النفسي فيتمثل في أن كلتا الدولتين تعتبر نفسها وسط محيط عربي إسلامي يكاد يبتلعها. ونقل صاحب كتاب “الاختراق الإسرائيلي للزراعة في مصر” ما قال إنه مقتطف من تصريحات للرئيس الإثيوبي المخلوع منغستو هايل ماريام أدلي بها للصحافيين في أوائل عام 1991م,اكد فيها انبهاره بتجربة إسرائيل في العيش وسط عالم عربي متوحش، (وهو ما نفاه لاحقا). يقول بعض الباحثين العرب إن أحداث العلاقة الإثيوبية الإسرائيلية بدأت في ثلاثينات القرن الماضي، أي قبل قيام دولة إسرائيل، عندما لجأ الإمبراطور هيلا سلاسي وبعض حاشيته الي القدس وأمضي فيها عدة أسابيع وهو في طريقة إلى أوروبا هاربا من الغزو الإيطالي، ففي ذلك الوقت أقام تسما كبدي وزير البلاط والذي بقي في القدس للإشراف علي الممتلكات الإثيوبية علاقة وثيقة مع الهاجاناه والوكالة اليهودية. الجهات الإثيوبية تؤكد أن علاقتها مع إسرائيل عادية واكد وزير الخارجية الإثيوبية سيوم مسفن في عام 1998 أن علاقة بلاده مع إسرائيل علنية عكس كثير من الدول التي لها اتفاقيات سرية.[18]
العلاقة الإثيوبية مع دولة إسرائيل رغم انه لا مساس مباشر لها في المصالح السودانية، إلا أنها تصنف ضمن موروثات التنافس التاريخي والعقائدي والإقليمي وحرص كل دولة لتحقيق رؤاها الأيديولوجية ضمن الساحة الإقليمية. فاذا مثلت إسرائيل في مرحلة من المراحل العدو الأول للعرب لما ظلت ترتكبه من جرائم ضد شعوب المنطقة وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني، فهي وبمرر الزمن والضغوط الدولية على العالم العربي أصبحت الآن ضمن واقع يكاد يعترف بها كلاعب أساسي في المنطقة الإقليمية، كما أن إسرائيل نفسها تشعر بتغير الى صالحها ضمن الظروف السياسية المستجدة على المنطقة الإقليمية والشرق الأوسط خاصة بعد ثورات الربيع العربي التي أدت الى تغيّرات واضحة في المنطقة، أطاحت بأنظمة وأضعفت دول ولا تزال )رغم تصنيفها ضمن تغيّر حضاري لصالح شعوب المنطقة على المدى البعيد( تؤدي الى حالة من عدم الثبات للأرضية العربية في مقابله ثبات لأرضية دولة إسرائيل في علاقات متنامية مع دول عربية وأفريقية وتمكن سياسي على الساحة الأفريقية أشارت إليه زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في جولته الأفريقية في يوليو 2016 والتي شملت دولا أفريقية كأوغندا وكينيا وروندا وإثيوبيا. وأدت الى اتفاقات مشتركة مع هذه الدول.
“من المعلوم إن اهتمام إسرائيل بمنطقة شرق أفريقيا يسبق تأسيس الدولة العبرية. فقد كان التفكير أولاً يدور حول إنشاء وطن قومي لليهود في كينيا أو أوغندا وكانت فكرة الاستيطان في أفريقيا احد الحلول المقترحة لترحيل يهود روسيا.[19]
إسرائيل لا يتوقع لها في علاقاتها مع إثيوبيا أن تكون ضمن متغيرات الصراع المؤثر على علاقات الأخيرة بالسودان. فهموم الدولتان منصب على الهموم الاقتصادية، وإثيوبيا على وجه التحديد لها أولويات في مقدمتها السودان الذي تحرص على ألا يعكر صفو علاقتها به أي بعد في أبعاد علاقتها بإسرائيل، أو تصرف تفسره السياسة السودانية تباعد في مفهوم جوهر علاقة البلدين. كما أن إثيوبيا في علاقتها المتنامية مع العالم العربي يتطلبها نوعا من الحكمة في إدارة ملف علاقاتها بإسرائيل، خاصة وان إثيوبيا قد بذلت جهدا كبيرا في جذب دول الخليج العربي الغنية وإقناعها بالعمل في استثمارات مفتوحة في شتى الجوانب ضمن إستراتيجية النمو والتحول الاقتصادية التي تُدير بها الملف السياسي للدولة، لكن مهما يذهب له الراي في توازنات العلاقات سواء مع السودان أو غيره من الدول العربية تأتي علاقة إثيوبيا بإسرائيل ضمن دواعي ضرورية تتمسك بها السياسة الإثيوبية وليس ببعيد عنها الخلافات والأخطار التي تشكلها قضية المياه مع مصر وإفرازات سد النهضة.
هذه نماذج لتحديات ماثلة في العوامل المشتركة والمتباينة في مصالح وسياسة الدولتين، فضلا عن التحديات الأخرى الخطيرة في إشكالية الحدود السودانية- الإثيوبية (موضوع الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى) التي سبق الحديث عنها، الى جانب تحدي التعايش المتعاون في مواجه ضغوط وإملاءات القوى الدولية المتربصة بالمنطقة الإقليمية بصفة عامة.
المبحث الثالث: مصر وإثيوبيا.. الأثر والتأثر
مصر وإثيوبيا تحتفظ علاقاتهما بالعديد من العوامل المشتركة والمتباينة، ضمن القدر الجغرافي للبلدين في تدفق مياه النيل من الهضبة الإثيوبية الى وادي النيل، وظروف الواقع السياسي المحلي والإقليمي، حيث تدافع هذه العوامل تحكم توازنات علاقة البلدين بين وداد وتجافي، وتقارب، وتباعد الى جانب إرث تعايش إنساني ضارب بجذوره في تاريخ الحضارتين الفرعونية والحبشية، فضلا عن ثوابت إخاء الديانات السماوية الثلاث. فعلاقة البلدين ترجع الى عهود قديمة في التاريخ الإنساني كأقدم علاقات أفريقية منذ مصر الفرعونية وحضارة كوش في أرض الحبشة وبلاد النوبة، وعلى العصر الحديث خلال القرنين الماضيين (1800-1900م)، ظلت العلاقة متأثرة بالصراع السياسي ضمن ما شكّلته منطقة شرق أفريقيا من جذب للقوى الدولية ممثلة في الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا، وإيطاليا، وفرنسا.. كان لمصر دورها الفاعل ضمن نشاط الإمبراطورية العثمانية، تأثيرا مباشراً تشكل في الأدوار السياسية والدينية التي ظلت تلعبها الكنيسة القبطية المصرية. خلال حقب الاستقلال الأفريقية ازدادت أواصر الأخوة والتلاقي في وحدة الهدف ضد الاستعمار، وحشد التعاطف مع دول القارة الأفريقية تمثل في دعم مشروع التحرر الأفريقي من الاستعمار.
تلخص مناخ العلاقة المائية خلال تلك الفترة في مقولة الرئيس المصري جمال عبد الناصر حينما قال (نحن شريكان في النهر الخالد الذى يفيض الخير والبركة على شاطئيه).
على عهد الرئيس محمد أنور السادات ( 1970-1981) وضمن حيثيات الظرف السياسي في منطقة الشرق الأوسط وما تبع ذلك من تفاعلات القضية الفلسطينية، إلى جانب تطورات حرب الاستقلال الإريترية تغير الوضع تحديدا بعد الإطاحة بالإمبراطور هيلا سلاسى، وتولي النظام الشيوعي بزعامة الرئيس منغستو هيلا ماريام السلطة في أديس أبابا، وبدأ توتر العلاقة نتيجة المواقف المتبادلة في العداء تجاه القضية الإريترية وقضية جنوب السودان، ودعم كل من مصر والسودان للانفصاليين الإريتريين، يقابله دعم أديس أبابا لمتمردي جنوب السودان، وخلال عهد السادات وقعت مصر على معاهدة الدفاع المشترك مع الخرطوم عام 1976، وبدأ ملف المياه الدخول في دائرة التوترات بين مصر وإثيوبيا بعد إعلان السادات عام 1979 مشروعا لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء وإمداد إسرائيل بمياه النيل، مما أثار حفيظة الرئيس الإثيوبي منجستو هيلا ماريام، الذي قال أن هناك مناطق فقيرة في حوض النيل الأزرق هي أكثر حاجة من إسرائيل لمياه النيل[20]،وتصاعدت المواجهة الى التهديد باستخدام القوة.
خلال عهد الرئيس المصري الأسبق حسنى مبارك أخذت التحديات طريقاً آخر، عملت إثيوبيا موظفة المناخ السياسي الفاتر في العلاقات مع مصر بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض لها الرئيس محمد حسني مبارك بأديس أبابا عام(1995) والاتهامات المتبادلة في الحيثيات التي رافقت الحدث. فتضاعف نشاط الدبلوماسية الإثيوبية المائية منادية باعتماد اتفاق جديد في قسمة المياه، وقد تبع ذلك النشاط العديد من الاجتماعات لوزراء مياه دول حوض النيل كاجتماع كنشاسا مايو 2009م – واجتماع الكنغو الديمقراطية ثم اجتماع في يوليو 2009 بالإسكندرية , ثم أعقبه أخر في إبريل من نفس العام بشرم الشيخ, جميعها فشلت نتيجة تمسك مصر والسودان بالحقوق التاريخية لاتفاقية مياه النيل لعام 1929، والخلافات التي تبعت قضية (الأمن المائي ) والمواد المتعلقة بها.
سد النهضة
يعتبر سد النهضة الإثيوبي الذي بدأ الترويج له كمشروع تنموي خلال الألفية الحالية، وتطور تفاعلا مع سياسات البلدان الثلاثة مصر، وإثيوبيا، والسودان وفق ما -أشرنا له سابقا، بداية لرسم علاقات جديدة بين هذه البلدان، كونه أصبح واقعا حقيقيا بعد نجاح إثيوبيا تجاوز مرحلة البناء والبدء في ملء خزان بحيرة المشروع بما يقدر ب (4.9) مليار متر مكعب من المياه ومن المقرر، أن يعمل السد بكامل قوته في بداية عام 2023م.
كان الإعلان عن البدء في مشروع سد النهضة متزامنا مع نشاط دول الحوض، وفي خضم الخلاف لجأت دول الحوض الى الانفراد بإنشاء ما عرف بمبادرة النيل( اتفاقية إطار العمل التعاوني) التي شهدت اجتماعاتها مدينة عنتيبي بأوغندا وتم التوقيع عليها من أربعة دول من دول المنبع في مايو 2010م وهي ( إثيوبيا ويوغندا ورواندا وتنزانيا) ولحقت بهم كينيا, وأخيرا بوروندي في فبراير 2011 ليتسنى للاتفاقية واقع الشرعية حسب ما نص علية إطارها القانوني(توقيع ستة دول من الدول الأعضاء لحوض النيل ).
الجدير بالذكر أن النقاط الخلافية التي طالبت مصر بتعديلها في الاتفاقية الإطارية (عنتيبي)، تتضمن البند رقم (8) الخاص بالإخطار المسبق عن المشروعات التي سيتم إقامتها بأعالي النيل، واتباع إجراءات البنك الدولي واتفاقية الأمم المتحدة 1997 مع إدراج هذه الإجراءات صراحة في الاتفاق وليس في الملاحق الخاصة به، كما طالبت بوضع نص صريح في البند رقم 14 الخاص بالأمن المائي بعدم المساس بحصتها من مياه النيل وحقوقها التاريخية وتعديل
(البند 34) بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الإطار المهمة أو الملاحق بالتوافق وليس بالأغلبية[21]. كان لإثيوبيا موقفا (إيجابيا) مقدرا لظروف الساحة المصرية بعد الثورة المصرية التي اشتعلت في يناير 2011م حينما وعدت إثيوبيا بعدم الإضرار بحصة مصر في مياه النيل، وجاء أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي عن تأجيل عرض الاتفاقية الإطارية( اتفاقية عنتيبي- مايو 2010) على برلمان بلاده، الى حين انتهاء مصر من الانتخابات وانتخاب رئيس جديد، وتشكيل حكومة تكون قادرة على اتخاذ القرار المناسب في قضية المياه.
تبع هذا المناخ رغبة حقيقية للدولتين في تحقيق تواصل يتخطى رسميات العلاقة الى أخوة التعاون، فكانت أنشطة (الدبلوماسية الشعبية) التي تبادلت فيها وفود الشعبين الزيارات لكلا البلدين. بدأت بعض الأنشطة المتوقفة في العودة إلى نشاطها الطبيعي، أهمها انعقاد أعمال الدورة الرابعة للجنة المصرية الإثيوبية المشتركة بالقاهرة يومي 14-15 سبتمبر2011، أعقب ذلك زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي ملس زيناوي الى مصر مما أدى الى زيادة وتشجيع الاستثمارات المصرية في إثيوبيا، والتي كانت قد بلغت (2 مليار دولار) في مجالات أهمها صناعة الكابلات الكهربائية، وتوليد الطاقة الكهربائية، ومصانع إنتاج وتصنيع معدات الري والزراعة، الى جانب استيراد اللحوم.[22]
بعد انتخابه ديمقراطيا اتسم عهد الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بسياسات تهدف لمضمون العلاقة ومحدداتها، تجاوزت شكليات الخلاف الى مضامين الاتفاق والمصالح المشتركة لكلا الشعبين، حيث كان تأكيد الرئيس مرسي لأبناء الجالية المصرية إبان زيارته لحضور مؤتمر القمة الأفريقية الاستثنائية في مايو 2013م بأديس أبابا أن هناك لجنة فنية ثلاثية مُشكلة من خبراء من مصر وإثيوبيا والسودان تقوم بدراسة كل التفاصيل المتعلقة ب(سد النهضة) الذي أعلنت عنه إثيوبيا كمشروع مائي، وأن اللجنة مخولة بالتوصل للنتائج المترتبة عليه، وان مصر لا يمكن أن تتساهل في الحقوق القومية لشعبها. وعلى هذا المنوال سارت مفاوضات (سد النهضة) على عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي الى الغاية التي بلغتها بالتوقيع على اتفاقية إعلان المبادئ التي توافقت عليها البلدان الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا في مارس 2015م بالخرطوم.[23]
إثيوبيا وجدت تأييدا ودعما دوليا منذ وقت ليس بالقصير تجاه مشروع سد النهضة بدليل توفيرها للتمويل الذي بدأت به مشروعها، وتوظيفها، واستقطابها لشركات عالمية كبرى متخصصة في بناء السدود كشركة سليني الإيطالية، مما مكنّها من النجاح في تخطي مرحلة التخطيط الى مرحلة التنفيذ. من الواضح أن المشروع ظل هدفا إستراتيجيا منذ سنوات بعيدة بدليل الرفض الإثيوبي المتتابع
للدخول في اتفاقيات مياه النيل بدءً بعام 1929،و1959م. ولا يستبعد في ظل التنافس الإقليمي والدولي أن يكون المشروع محاطا بدعم ورعاية أمريكية وإسرائيلية ظلت متابعة بسرية تامة لمخطط المشروع الى حين وصوله الى مرحله البناء والملء الحالية.
– رغم توقيع البلدان الثلاثة على إعلان المبادي تشهد قضية السد تفاعلات جديدة تُصاحب تطورات المشروع الإثيوبي ( اكتمل بناؤه حسب تصريحات الحكومة الإثيوبية وبدأ الملء الأولي لبحيرة الخزان)، فقد ظل الإعلام المتبادل بين إثيوبيا ومصر غير منسجم في كثير من الأحوال مع المواقف الرسمية، والخطاب الرسمي للبلدين. وصاحبت مسيرة السد اتهامات متبادلة، وتحرشات على المستويات الشعبية والإعلامية غير الرسمية.
شهدت الفترة الأخيرة قبل اكتمال بناء السد، والشروع في ملء بحيرة الخزان ظروفا حساسة نتيجة اهتزاز ثقة تعاني منها علاقات البلدين، مما أثار الكثير من الهواجس، تجاه تفسيرات الأحداث المتعلقة باستقرار الدولتين.
كان الاتهام الإثيوبي المباشر لمصر في دعم المعارضة الإثيوبية إبان أحداث (شهري سبتمبر وأكتوبر 2016) وأحداث( شهري مايو ويونيو 2020م) وكون مصر هي الداعم والمحرض لجبهة تحرير الأورومو المتمردة لأحداث الفتنة بين مكونات المجتمع الإثيوبي، حسب ما صرح به المتحدث باسم الحكومة الإثيوبية آنذاك.
الحكومة الإثيوبية في اتهامها لمصر في دعم وتغذية تلك الأحداث التي أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى، أشارت الى وثائق ومستندات تقول إنها حصلت عليها عبر وسطاء ظلوا على تعامل معها. لكن بدأت الأزمة في الانفراج بعد التصريحات التي أدلى بها آنذاك وزير الخارجية الإثيوبي تدروس أوحانوم الى وسائل الإعلام الإثيوبية ومفادها أن هناك مشاورات وتفاهم بين البلدين بعد نفي مصر علاقتها بالأحداث.[24].
مهما يكن من أمر تظل قضية سد النهضة من أهم التحديات التي تظل تواجه علاقات البلدين مصر وإثيوبيا، خاصة بعد تعثّر المفاوضات، التي تحتاج لوقت يطول، قبل وصولها الى نهاياتها المرضية بين البلدان الثلاثة، ضمن إطار اتفاق المبادي الذي وضع أسس التفاوض بينهم.
ما تواجهه الآن مفاوضات سد النهضة بين الدول الثلاثة مصر، والسودان، وإثيوبيا بعد فشل اللجان الفنية التي نص عليها اتفاق المبادئ في تحديد المدة المفترضة لملء بحيرة السد، وكميات المياه المتدفقة عبر فتحات السد الى دول المصب السودان ومصر خلال سنوات الجفاف والجفاف الممتد، الى جانب الجوانب الفنية الأخرى في إدارة وتشغيل السد.. إلخ هذه الجوانب تظل هي عقدة الخلافات، والمحادثات التي يتوقع لها أن تتجدد وتطول، والتي ظلت تراوح مكانها حتى بعد دخول الوسيط الأمريكي والبنك الدولي في ديسمبر 2019 واللذين ارتضت توسطهما الدول الثلاثة بعد الطلب المصري للوساطة.
تحولت الوساطة أخيرا في يونيو 2020م الى الاتحاد الأفريقي، باعتبار أن قضية سد النهضة قضية أفريقية تخص البيت الأفريقي (ظلت إثيوبيا مفضلة للوساطة الأفريقية بدلا من التدويل)، ومن المقرر لها أن تتجدد لأجل الوصول لاتفاقية قانونية تلزم إثيوبيا بعدم الإضرار بمصالح دولتي المصب (السودان ومصر) وهو ما تصر عليه القاهرة لأجل الوصول لضمان قانوني يحفظ لها (حقوقها المائية)، وعدم الإضرار بحصتها التاريخية في المواسم المختلفة.
المبحث الرابع: الولايات المتحدة الأمريكية والعلاقات بين دول النيل الرئيسة:
الولايات المتحدة الأمريكية تبحث عن مصالحها وتُشكّل لها إثيوبيا بعداً أمنياً مهماً في منطقة القرن الأفريقي، وشرق أفريقيا وذلك ضمن قراءات كثيرة أهمها وحدة الرؤى الحضارية (الهوية المسيحية) ,وما تُشكّله إثيوبيا كذلك من موقع إستراتيجي على مرمى من الشرق الأوسط والبحار العربية.
ففي الإطار الأمني هناك أهمية لإثيوبيا فيما يمكن أن تلعبه من أدوار اتضحت هذه الأدوار فيما تقوم به من أنشطة عبر المنظمات الإقليمية كالإيقاد، فضلا عما تشكّله من ثقل إقليمي، وقوى رئيسة في القوات الدولية للأمم المتحدة في عدد من الأماكن المتوترة في أفريقيا (كما أوردنا سابقا)، أهمها منطقة أبيي السودانية (الغنية بالنفط). هذا إضافة الى كونها المنبع الرئيسي لنهر النيل الذي يُشكل شريان الحياة للسودان ومصر.
ضمن هذه المؤشرات يمكن تقدير الاهتمام الأمريكي بالتقارب السوداني الإثيوبي الذي يستمر مرحبا به في إطار سلام تنعم به إثيوبيا في ظل نظام إثيوبي راسخ يفرض نفسه كقوة سياسية قادرة على تحقيق السلام والأمن الإقليمي لها ولغيرها، وهو ما تراه الولايات المتحدة الأمريكية حاليا في النظام الحالي بزعامة الرئيس الإثيوبي أبي احمد. كما يأتي الاهتمام الأمريكي بهذا التقارب ضمن حيثيات المشاكل التي يعاني منها السودان وما تلعبه إثيوبيا الآن من أدوار سياسية رئيسية في بعض الملفات بحكم الجوار.
إن من أهم الافتراضات التي يذهب إليها الراي السياسي الحالي في كونها دافعا قويا للولايات المتحدة لدعم التقارب الإثيوبي السوداني هو تحقيق السلام في دولة جنوب السودان المنفصلة حديثا. حيث تعطي مؤشرات الأحداث في ظل الحرب الأهلية بين نظام الرئيس سلفاكير ميارديت والمعارضة المسلحة بقياد رياك مشار اهتماما غربيا وأمريكيا جارفا لإخماد هذه الحرب تماماً، والتخطي بهذه الدولة الى استقرار حقيقي يُمّكن القوى الغربية من تحقيق مراميها الاقتصادية عبر دولة الجنوب الغنية بالنفط، إضافة الى مرامي أخرى على النسق الاستراتيجي الحيوي فيما يمكن أن يلعبه جنوب السودان من غايات بعيدة تجاه منابع النيل ودولة إسرائيل وتوازنات الشرق الأوسط.
فما يحققه سلام وتواثق السودان وإثيوبيا من انعكاسات في الجانب الأمني يلقي بتبعاته على سلام جنوب السودان الذي ظلت إثيوبيا ممسكة بملفاته قبل انفصاله، ويؤكل إليها الآن دور رئيسي جديد بعد انفصاله، هذا وتُشير بعض الدلالات الى تنسيق حقيقي يجري لبسط سلام حقيقي، وإنهاء أي مظاهر لشبح الحرب الأهلية في ذلك البلد، والتي ظلت دائرة هناك لعدة أعوام، وكانت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هيلاماريام ديسالين للخرطوم في شهر أغسطس 2017م ولقاءه بالقيادة السودانية أثناء تلك الأزمة آنذاك ذات هدف واحد وهو إغلاق ملف هذه الحرب بالتنسيق مع القيادة السودانية حسب ما تداوله الإعلام وقتها.
فيما يتعلق بالنظرة الأمريكية لتقارب البلدان الثلاثة إثيوبيا مصر السودان تتكيف وفق المصالح الأمريكية، وكذلك وفق مجريات الأحداث الدولية وما تُشكله تطوراتها الإقليمية من تأثير على مصالح أمريكا والغرب. فتفاعلات الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي تتسبب في تغيير حقيقي لأجندة السياسية الأمريكية التي ظلت مقدمة أهدافها خلال الفترة الماضية فرض واقع الدولة اليهودية (إسرائيل)، لكن من الواضح الآن تخطيها هذا الى مرامي جديدة. فالولايات المتحدة الأمريكية تستغل الواقع الجديد في الشرق الأوسط والخليج العربي والقرن الأفريقي، وما يمكن أن نطلق علية واقع سد النهضة الإثيوبي في رسم أهداف جديدة. فضمن حيثيات الواقع الجديد تنظر أمريكا لقضية التقارب والتباعد بين الدول الثلاثة إثيوبيا، والسودان، ومصر نظرة ضمن رؤية متكاملة لا تنحصر على البيت الأفريقي، لتشمل آفاق واسعة من الأهداف التي تتواتر تباعا لتغطي رقعة جغرافية واسعة بما فيها الشرق الأوسط، والواقع الجديد للدولة اليهودية، فضلا عن إطلاق أيد جديدة في مواجهة ما يسمى بالإرهاب، وواقع الخليج المتأثر بحرب اليمن.
قضية تمويل سد النهضة:
ظل الدور الأمريكي يمثل حضورا مراقبا لمشروع سد النهضة –فرغم عدم وجود مؤشرات دالة على دعم مادي أمريكي مباشر للمشروع، إلا أن هناك تأييداً متستراُ بما تلعبه دولة إسرائيل كداعم إستراتيجي ومعنوي، وشريك فيما تطمح له إسرائيل من إقامة مشاريع زراعية كبرى مع أديس أبابا وهو ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو إبان زيارته لأديس أبابا في يوليو 2016م ضمن جولته الأفريقية. حينما أشار أن “إسرائيل ستدعم أديس أبابا، لتمكن إثيوبيا من الاستفادة من مواردها المائية في تطوير الزراعة من خلال مدها بالتكنولوجيا” وأشاد بالعلاقات المميزة والتاريخية بين إسرائيل وإثيوبيا، مضيفاً أن إسرائيل تنوي تعزيز التعاون بين البلدين في كافة المجالات السياسية والاقتصادي.[25]
فيما يتعلق بأبعاد التمويل الدولي للمشروع كان لمصر نجاح دبلوماسي في استصدار قرار أوروبي روسي صيني بوقف تمويل السد الإثيوبي الذي يؤثر حال اكتماله على 20 في المائة من حصة مصر من مياه النيل. وصدر قرار رسمي من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وإيطاليا والبنك الدولي بوقف تمويل بناء هذا السد، وتجميد قروض دولية لإثيوبيا بقيمة 3.4 مليار دولار، بينها قرض صيني بمليار دولار، وضمن الوقائع التي تصاحب المشروع تتضح الحقائق كذلك في نجاح الدبلوماسية المصرية التي أثرت الى حد بعيد تجاه أي دعم مادي كان من الممكن أن يتلقاه المشروع من دول الخليج الغنية.[26]
في المقابل اسم الحرص الإثيوبي باعتماد مصادر تمويل ذاتية يشارك من خلالها الشعب الإثيوبي عبر (سندات سد النهضة) التي أطلقتها الحكومة الإثيوبية لتمويل مشروع السد، حيث جذبت الفكرة قطاعات كبيرة من الشعب الإثيوبي الذين قاموا بشراء تلك السندات من خلال مشاركة كبيرة لا تزال تتفاعل في تمويل المشروع.
الى جانب ذلك تصرح وسائل إعلام إثيوبية وعربية عن دعم شركات رجل الأعمال السعودي الشيخ محمد حسين العامودي في إنشاءات مشروع السد مع شركة «سالينى» الإيطالية من خلال مصنعين للأسمنت يملكهما العمودي يتم توريد معظم إنتاجهما إلى سد النهضة، فضلا عن الشحنات التي يوردها مصنع Messebo الوطني التابع للحكومة الإثيوبية. وينتج مصنع «ديربا ميدروك» Derba Midroc Cement المملوك للعامودي، والذى بدأ تشغيله في فبراير 2012، 25% من احتياجات الأسمنت في إثيوبيا، حيث ينتج 8 آلاف طن يوميا، بتكلفة استثمارية بلغت 800 مليون دولار، وتم بناؤه بالتعاون مع شركة صينية، بينما تم تمويل على مستوى ثاني من خلال استثمارات مباشرة من شركة «ميدروك» التي يملكها الشيخ محمد العمودي ذو الأصول الإثيوبية من ناحية الأم[27].
وبهذا النجاح استطاعت إثيوبيا تحييد واقع التزاماتها الإقليمية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية رغم ما تتلقاه من تعاطف.
أبعاد أزمة الخليج العربي:
من جهة ثانية هناك واقع جديد ضمن أزمة الخلاف الخليجي بين قطر وعدد من دول الخليج العربي ومصر، والتي أفرزت تحالفات بين معسكري )مصر والسعودية، ودولة الإمارات العربية، والبحرين( في مقابله )معسكر قطر، تركيا، إيران(، فثمة تخوف من تأثيرات مباشرة على منطقة القرن الأفريقي التي أصبحت طرفا حقيقيا في الصراع سواء بما يُؤكل إليها من مهام ذات مقابل مادي كما يحدث مع دولة إريتريا التي تستقبل قواعدا حربية سعودية وإماراتية.[28]
أو نتيجة التأثير غير المباشر الذي يمكن قراءته تجاه كلا البلدين السودان وإثيوبيا اللتان لهما علاقات متباينة مع بلدان كلا التحالفين، وما يشكله مشروع سد النهضة كذلك من مصدر توتر في علاقة الأخيرة مع مصر.
الولايات المتحدة الأمريكية سواء تجاه أحداث الخليج العربي والتطورات الجديدة في العلاقات بين بلدانه، وواقع سد النهضة يهمها الحفاظ على مصالحها على المدى البعيد، ومن ثم فلا حرج في اللعب المتوازن الذي يحقق لها علاقات مستمرة المصالح (Continuous relationships interests )،سواء مع دول الخليج العربي أو دول حوض النيل (مصر، السودان، إثيوبيا،..)، حيث تعمل السياسة الأمريكية بدافع تلك المصالح، وللحيلولة دون دخول لاعبين دوليين آخرين كروسيا والصين وتركيا[29] بما يؤثر على تلك المصالح والتوازن القائم في منطقة القرن الأفريقي خاصة.
تضيف مستجدات الساحة الدولية في الشرق الأوسط والخليج العربي، والمنطقة الإقليمية في جنوب السودان والقرن الأفريقي أعباء وظروف جديدة على الدولتين تجعلهما اكثر اقترابا من أليات القوى الدولية في سياستها وفروضها بصدد الأحداث.
من أهم الافتراضات التي يذهب إليها الراي السياسي في كونها دافعا قويا للولايات المتحدة الأمريكية لدعم التقارب الإثيوبي السوداني هو تحقيق السلام في دولة جنوب السودان المنفصلة حديثا. حيث تعطي مؤشرات الأحداث في ظل الحرب الأهلية التي اشتعلت عقب استقلال الجنوب بين نظام الرئيس سلفاكير ميارديت والمعارضة المسلحة بقياد دكتور رياك مشار اهتماما أمريكيا وغربيا جارفا لإخماد أي حروب في هذه المنطقة وتحقيق سلام حقيقي يأتي من وراءه أهداف أمريكية وغربية على نطاقي منطقة القرن الأفريقي والشرق الأوسط.
[1] ( تاريخ إثيوبيا المعاصر عهد ثيودور الثاني) (تاريخ إثيوبيا- http://www.marefa.org /index.php
الهامش
[2] صلاح محمد إبراهيم وكمال علي صالح حرب الفقراء في القرن الأفريقي- تحليل استراتيجي – الخرطوم 2000م ص5
[3] هامش-1 أبيي أعلن مجلس الأمن في 27 حزيران/يونيه2011م نشر قوة لحفظ السلام في منطقة أبيي المتنازع عليها التي تتداخل مع شمال وجنوب السودان، وقد (طالب كل من الجانبين بضمها) وجاء إجراء المجلس استجابة لتجدد العنف وتصاعد التوتر وتشريد السكان في منطقة أبيي في الوقت الذي كان فيه جنوب السودان يستعد للإعلان الرسمي عن استقلاله عن السودان في 9 تموز/يوليه 2011 وكان هذا تتويجا لاتفاق السلام الشامل لعام 2005. وكانت أبيي الغنية بالموارد في الأسابيع السابقة لقرار مجلس الأمن مسرحا لاشتباكات دامية أجبرت أكثر من 100 ألف نسمة على النـزوح من ديارهم وبموافقة مجلس الأمن بالإجماع على القرار 1990 (2011)، أنشأ المجلس رسميا، لمدة ستة أشهر، قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي، التي ستضم كحد أقصى 200 4 من الأفراد العسكريين و 50 من أفراد الشرطة ودعم مدني ملائم
[4] د. سمر إبراهيم محمد- مجلة شئون عربية – الأمانة العامة – جامعة الدول العربية http://www.arabaffairsonline.org/article?p=31
[5] د. سمر إبراهيم محمد المصدر السابق.
[6] العقوبات الأميركية على السودان، من 1988 إلى 2017، موقع الجزيرة، تاريخ التصفح 15 نوفمبر 2021، الرابط:
[7] العقوبات الأميركية على السودان، من 1988 إلى 2017، موقع الجزيرة، تاريخ التصفح 15 نوفمبر 2021، الرابط:
[9] برهان غليون تحولات السياسة الدولية من مفهوم السيادة الى مفهوم الشراكة الجزيرة .نت
(2) برهان غليون مصدر سابق
[10] مصطفى عثمان إسماعيل مجموعة دول الإيقاد رؤية السودان لتعزيز التكامل والأمن الإقليمي. دار الأصالة الخرطوم 2003م.ص 19
[11] المصدر السابق ص25-26
[12] الدكتور محمد رشيد شطناوي /الحقوق القانونية للدول المتشاطئة للأنهار الدولية- الجامعة الأردنية ص5
[13] الجزيرة نت– أسامة جمعة الأشقر العلاقات المصرية السودانية
[14] المصدر السابق.
[15] معتصم احمد علي الأمين – ملامح الاستراتيجية الإثيوبية مصدر سابق.
[16] مصطفى الفقي العلاقات المصرية السودانية من منظور محايد، سابق.
[17] مصطفى الفقي العلاقات المصرية السودانية من منظور محايد، سابق.
[18] محمد إمام فانتا- إثيوبيا بين الأمس واليوم – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة- أغسطس 2007- ص 138-140
[19] د. حمدي عبد الرحمن /أفريقيا وتحديات عصر الهيمنة أي مستقبل /مكتبة مدبولي طبعة أولى 2007 ص-(130)
[20] (https://www.marefa.org/%D8%B3%D8%AD%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D9%88%D9%85
[21] أيوب قدي- اتفاقية عنتيبي لمصلحة شعوب حوض النيل الآن وفي المستقبل – سودانيل نشر بتاريخ: 27 آذار/مارس 2017
[22] موقع اليوم السابع – الثلاثاء، 28 مايو 2013 م http://www.youm7.com/story/2013/5/28
[23] الأهرام- 23 نوفمبر 2016 السنة 141 العدد 47469 .
[24] صحيفة العلم الإثيوبية أكتوبر 2016 .
[25] https://democraticac.de/?p=63707
[26] الشروق-نت
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=19122015&id=fcb2e263-364e-48c6-b24a-3c2ce7b0d23a
[27]http://www.future-fm.net/?p=40200
[28] أسماء الخولي “إثيوبيا تدخل 2016 من باب التحول الاقتصادي الصعب”02 يناير 2016 م ـ الوحدة الاقتصادية “الشرق الأوسط “رقم العدد [13549]
[29] المصدر السابق