
رئيس مجلس السيادة السوداني وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان دخل في مواجهة مفتوجة مع نائبه محمد حمدان دقلوا قائد قوات الدعم السريع/عربي بوست
تحمل المعارك التي اندلعت منذ 3 أيام في السودان كل علامات حرب أهلية محتمَلة، وهي حرب مرشحة أن تطول وما قد يعني “ذلك من تدخل محتمَل لقوى خارجية، خاصة في ظل موقع السودان وأهميته وحدوده الواسعة، فمن من القوى الدولية والإقليمية سيقف مع الجيش السوداني، ومن مع الدعم السريع، وهل يتطور الأمر لحرب إقليمية أو صراع دولي؟
المعارك الحالية هي بين أكبر قوتين في البلاد، وهما جيش البلاد، بقيادة الرئيس السوداني والقائد الأعلى للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب الرئيس محمد حمدان دقلو، وهي تدور في العاصمة الخرطوم ومدن أخرى.
يقول آلان بوزويل، كبير المحللين لمنطقة القرن الإفريقي في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية، لصحيفة Financial Times البريطانية: “يملك كلا الطرفين قواعد في البلاد. وكلاهما يعتبر هذه المعركة وجودية. هذا صراع خالص على سلطة الحكم في السودان”.
وقال بوزويل إن “هذه الحرب تبدد أي آمال في استعادة الحكم المدني سريعاً”، وأضاف أنها “قد تؤدي إلى تدخُّل كثير من الأطراف الخارجية”، وأن “آثارها قد تمتد إلى خارج حدود السودان، إذا لم تتوقف قريباً”.
وكتب مات ناشد في مجلة New Lines الأمريكية: “والآن، قد يتحول هذا القتال إلى صراع طويل الأمد، ويخشى كثيرون أن تجر هذه الحرب رعاة إقليميين ودولاً مجاورة مثل تشاد ومصر وإريتريا وإثيوبيا. وفي النهاية، لا أحد يعرف من سيهزم الآخر، لكن هذا الصراع قد يقلب المنطقة رأساً على عقب”.
أبرز الأطراف الخارجية المؤثرة في السودان
وفي حين أن هذه الفوضى في السودان قد تمتد إلى خارج الحدود، فهي تغذيها، جزئياً، أطراف خارجية، فالنظام المؤقت الذي يهيمن عليه البرهان وحميدتي تدعمه الإمارات والسعودية بمليارات الدولارات، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
بينما ينظر إلى الدول العربية الرئيسية مثل مصر وأغلب دول الخليج بأنهم حلفاء لمجمل القوى العسكرية الحاكمة في السودان بقيادة البرهان وحميدتي، معاً، فإن مواقف هذه الدول قد تتباين في حال الخلاف بين الرجلين.
وعززت مصر دعمها لقوات البرهان، بينما نسجت السعودية والإمارات علاقات قوية مع حميدتي.

أما الولايات المتحدة فتبدو راعية القوى المدنية لحد كبير، مع احتفاظها بعلاقات وثيقة مع الجيش السوداني والدعم السريع على السواء.
فيما أقامت روسيا، وتحديداً مرتزقة شركة فاغنر، علاقات واتصالات مع قوات حميدتي. وانتهى المطاف بالمقاتلين السودانيين، وخاصة من دارفور، في الخطوط الأمامية للحرب التي تقودها السعودية والإمارات في اليمن، وكذلك الحرب في ليبيا، التي تنخرط فيها قوى إقليمية، مثل الإمارات وقطر وليبيا وروسيا.
روسيا والإمارات تريدان بناء قاعدة على ساحل البحر الأحمر
وتستهدف قوى إقليمية مختلفة الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر، ومنها روسيا التي تعمل على إبرام اتفاق لإنشاء قاعدة بحرية في السودان، ستمنح موسكو طريقاً إلى المحيط الهندي.
وكذلك الإمارات، التي “تأمل في حماية مصالحها الإستراتيجية طويلة الأمد في السودان، مثل قدرتها على إبراز قوتها العسكرية والاقتصادية في اليمن والقرن الإفريقي من الموانئ والمنشآت الأخرى هناك، وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2022، بالتزامن مع الاتفاق الإطاري بين الجيش السوداني والقوى المدنية، وقعت الإمارات والسودان اتفاقية بقيمة 6 مليارات دولار مع شركتين إماراتيتين لبناء ميناء جديد على ساحل البحر الأحمر السوداني”، وفقاً لما أشار إليه موجز سياسي من مركز صوفان الاستشاري للشؤون الأمنية.
وتساعدان حميدتي على بيع الذهب
وتشير تقارير إلى أن قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي تسيطر على الجزء الأكبر من مناجم الذهب المربحة في السودان، التي منحته مصدراً مستقلاً للتمويل تغذيه تجارة غير مشروعة في الذهب الخام المهرَّب، الذي يقول محللون إنه يشق طريقه إلى الإمارات وروسيا، يجعل ذلك البلدين مهمين لحميدتي، ويجعلهما قادرين على الضغط عليه، رغم أن الذهب عادة يمكن إيجاد زبائن آخرين له.
يقول Middle East Eye البريطاني إن وجود مجموعة فاغنر في السودان والمنطقة المحيطة أمر مثبت.
ويُعتقد أن حميدتي مرتبط بفاغنر، من خلال ميليشيا قوات الدعم السريع وله علاقات وثيقة مع موسكو، التي زارها مع بدء الحرب في أوكرانيا.

وهناك تقارير غير مؤكدة عن توفير الروس لتدريب قوات الدعم السريع، إضافة لتقديم موسكو عربات مدرعة لها.
ويخشى محللون غربيون من توسع نفوذ فاغنر، التي تقيم علاقات مع الأنظمة الانقلابية في مالي وبوركينا فاسو، ونفذت عمليات لصد التمرد في جمهورية إفريقيا الوسطى. وحذّر مسؤولون فرنسيون تحديداً من نفوذ الكرملين المتزايد في منطقة الساحل المضطربة.
وكتبت خلود خير، المحللة المقيمة في الخرطوم: “في عالم ما بعد الغزو الأوكراني، علاقة حميدتي الواضحة مع شركة المرتزقة الروسية فاغنر وضعته في مرمى نيران المكائد الدولية في منطقة الساحل.
مصر من أقوى المؤيدين للبرهان وتلميحات لوجود خلافات مع دول الخليج
أما القاهرة، فترى في احتمالية القضاء على حميدتي فرصة قوية لا ترغب في تفويتها، والتوقيت مناسب في ظل تركز الاهتمام الغربي على وقف تأثير الدومينو الناجم عن إدارة المستعمرات الفرنسية السابقة ظهورها لباريس وتوجهها لموسكو”، حسبما ورد في تقرير لمجلة New Lines الأمريكية.
ومصر، التي دعمت مؤخراً مبادرات السعودية والإمارات في المنطقة، من أقوى المؤيدين للبرهان، الذي تعتبره القاهرة حصناً للاستقرار وحليفاً محتملاً في الخلافات الجيوسياسية مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة.
وتحتجز قوات حميدتي مجموعة من الجنود المصريين المنتشرين في السودان، وهي خطوة قد تؤدي إلى توسيع دائرة الصراع.

وأعلنت مصر، في بيان لوزارة الخارجية، الإثنين 17 أبريل/نيسان 2023، أنها أبلغت “الطرفين السودانيين” في الأزمة الحالية، ضرورة وقف إطلاق النار، وأنها تنسق مع السعودية جهود إنهاء الأزمة.
وكان لافتاً تصريح السياسي المخضرم الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى، عن أن “بعض المصالح العربية قد تتعارض مع مصالح مصر الأكثر عمقاً بالسودان”، وقال “هنا يُتوقع من مصر وقفة صريحة وجريئة، إذ إن مصالحنا الحيوية في تلك المنطقة بأسرها أصبحت مهددة وعلى المحك”.
وأكد في تغريدة أخرى أنه “يتوقع سياسة ديناميكية من جانبنا وجولات نشطة للدبلوماسية المصرية على مختلف مستوياتها، علنية وسرية، في المجالين العربي والإفريقي، تحجز موقعاً رئيسياً لمصر في مسار الأمور، وتقضي على محاولات الاستبعاد من الاتصالات الجارية حالياً”.
إثيوبيا وإريتريا مع من تقفان؟
إثيوبيا وإريتريا أصبحتا حليفتين منذ تولي رئيس الوزراء آبي أحمد السلطة؛ حيث استخدم القوات الإريترية لقمع متمردي جبهة تحرير تيغراي، والدولتان تاريخياً لهما تأثير كبير في السودان، خاصة شرقه، وجنوبه (بالنسبة لإثيوبيا).
وتوسط آبي أحمد بين المعارضة السودانية وبين الجيش السوداني، ولكن بعد اندلاع الحرب في إقليم تيغراي استغل الجيش السوداني الحرب للتوغل في منطقة الشفقة السودانية لاستعادتها من أيدي العصابات والمزارعين الإثيوبيين. كما كان موقف السودان في بعض الأوقات أقرب لموقف مصر في أزمة سد النهضة.
قد يعني ذلك أن آبي أحمد قد يميل لتأييد حميدتي في مواجهة البرهان، خاصة أن قائد قوات الدعم السريع يحظى بدعم خجول من القوى المدنية، التي هي بدورها يُنظر لها أنها كانت راضية بوساطة آبي أحمد.
وفيما بدا أنه تبادل للتحذيرات الضمنية بين مصر وإثيوبيا ، أشارعمرو موسى إلى أن “احتمال استغلال إثيوبيا للوضع يفاقم مشكلة السد بالنسبة لنا”.

كما قال محمد العرابى وزير الخارجية المصري الأسبق، إن إثيوبيا تسعى للاستفادة من مشاكل مصر والسودان، وسبق لها أن استغلت ثورة 25 يناير فى بناء السد، موضحاً أنهم سيحاولون استغلال الوضع فى السودان بنفس الطريقة.
في المقابل، حذّر رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد علي مما وصفه بـ”أية محاولات ذات دوافع وأجندات خفية للتدخل في الشأن السوداني تسعى لتدمير مقدرات البلاد”.
وقال أبي أحمد في بيان الإثنين “نحن في إثيوبيا لدينا إيمان راسخ بأن الشعب السوداني الأبي لديه كل الحكمة لتجاوز هذه المحنة التي يمر بها الآن”، معتبراً أنه “من الصواب أن يترك له حلها بنفسه، وأن أي تدخل في الشأن السوداني يجب أن يكون هدفه فقط قصد تحقيق المصالحة بين الأشقاء وإحلال السلام، معرباً عن إدانته بشدة كل المحاولات التي تسعى للتدخل في الشأن السوداني بطرق غير مشروعة”.
الدول الغربية نفوذها محدود
وقد حثت مجموعة من الحكومات الأجنبية، من ضمنها الأمريكية والسعودية والإماراتية، على وقف القتال. لكن كلا القائدين العسكريين يتوعدان بعضهما بسحق الآخر، ولم يبديا أي نية للتراجع، “الدول الغربية نفوذها محدود الآن”، حسب صحيفة The Washington Post:
فالسودان في عزلة كبيرة منذ استيلاء حميدتي والبرهان على السلطة في انقلاب 2021 ضد رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي أنهى حكومة مدنية قصيرة العمر. والدولة المثقلة بالديون بحاجة ماسة إلى عشرات المليارات من الدولارات لدعم اقتصادها المحتضر، لكن إبرام صفقات يبدو مستبعداً ما دام الرجلان يتقاتلان على السلطة. وقد انهار اقتصاد السودان بعد استقلال الجنوب الغني بالنفط عام 2011، والتضخم المفرط يغذي الاحتجاجات الشعبية المتكررة”.
وقد أدت إطاحة البشير إلى خروج السودان، ثالث أكبر دولة في إفريقيا، من عزلته إلى حد ما. إذ رفعته وزارة الخارجية الأمريكية من قائمة الدول الراعية للإرهاب، فيما زار البرهان وحميدتي عواصم العالم المختلفة. لكن خلود وشخصيات أخرى في المجتمع المدني السوداني يرون أنه في هذه الظروف الحالية، لا يصح دعم أي من الحاكمين العسكريين لتهدئة الموقف.
تقول داليا محمد عبد المنعم، وهي من سكان الخرطوم وصحفية سابقة، لصحيفة The Washington Post: “جميع النشطاء والمدنيين كانوا يحذرون طوال الوقت من الثقة بهما. فهما قاتلان؛ ويقتلان منذ 30 عاماً. هذان هما من كان المجتمع الدولي يحاول استرضائهما”.
علامات:
https://googleads.g.doubleclick.net/pagead/ads?client=ca-pub-1718399043113333&output=html&h=90&slotname=8351942207&adk=3664558848&adf=26442641&pi=t.ma~as.8351942207&w=320&lmt=1682444351&format=320×90&url=https%3A%2F%2Farabicpost.net%2F%25D8%25AA%25D8%25AD%25D9%2584%25D9%258A%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25AA%2F2023%2F04%2F18%2F%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AC%25D9%258A%25D8%25B4-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B3%25D9%2588%25D8%25AF%25D8%25A7%25D9%2586%25D9%258A-4%2F&wgl=1&adsid=ChEI8PSdogYQ7P7Fx7LK3OChARI9AMP2DlQUgo-NNwMRAmiFB2cYabDnb4Mrc_pTLq3niAVv_Xh2cG0heMibv_pkmIATtmM5RowQK1FQygrEzQ&uach=WyJBbmRyb2lkIiwiMTIuMC4wIiwiIiwiU00tQTMxNUciLCI5OS4wLjQ4NDQuODgiLFtdLHRydWUsbnVsbCwiIixbWyIgTm90IEE7QnJhbmQiLCI5OS4wLjAuMCJdLFsiQ2hyb21pdW0iLCI5OS4wLjQ4NDQuODgiXSxbIkdvb2dsZSBDaHJvbWUiLCI5OS4wLjQ4NDQuODgiXV0sZmFsc2Vd&dt=1682444342555&bpp=20&bdt=1575&idt=808&shv=r20230420&mjsv=m202304240101&ptt=9&saldr=aa&abxe=1&cookie=ID%3D72bea7894e8859c0-2237653880dd0011%3AT%3D1680640373%3ART%3D1680640373%3AS%3DALNI_MaG1z5qjKpH70QiMYMjtt_XpzxDdg&gpic=UID%3D00000a406a699024%3AT%3D1680640373%3ART%3D1682442346%3AS%3DALNI_MZOx0pn3X-omIODT_0mxXhok4ECWA&prev_fmts=0x0&nras=1&correlator=8528911617410&frm=20&pv=1&ga_vid=1465543280.1680640366&ga_sid=1682444348&ga_hid=1635506869&ga_fc=1&u_tz=180&u_his=44&u_h=915&u_w=412&u_ah=915&u_aw=412&u_cd=24&u_sd=2.625&dmc=4&adx=46&ady=9099&biw=412&bih=781&scr_x=0&scr_y=3258&eid=44759876%2C44759927%2C44759837%2C31074130%2C44789761&oid=2&pvsid=2959910905333821&tmod=2013096331&uas=3&nvt=1&ref=https%3A%2F%2Farabicpost.net%2F%25d8%25a3%25d8%25ae%25d8%25a8%25d8%25a7%25d8%25b1%2F2023%2F04%2F25%2F%25d8%25b9%25d8%25a7%25d8%25a6%25d9%2584%25d8%25a9-%25d8%25b3%25d9%2588%25d8%25af%25d8%25a7%25d9%2586%25d9%258a%25d8%25a9-%25d8%25aa%25d9%2587%25d8%25b1%25d8%25a8-%25d8%25a5%25d9%2584%25d9%2589-%25d9%2585%25d8%25b5%25d8%25b1%2F&fc=896&brdim=0%2C0%2C0%2C0%2C412%2C0%2C412%2C837%2C412%2C837&vis=1&rsz=%7C%7CeEbr%7C&abl=CS&pfx=0&fu=0&bc=31&ifi=1&uci=a!1&btvi=1&fsb=1&xpc=LBWeW5WBHO&p=https%3A//arabicpost.net&dtd=9134
تويوتا مقابل الدبابة.. كيف تحوّلت عربات الدفع الرباعي لسلاح يفتك بالمدرعات، وهل يتكرر هذا بالسودان؟
تم النشر: 2023/04/20 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/20 الساعة 15:56 بتوقيت غرينتش

قوات الدعم السريع في جنوب دارفور عام 2015/رويترز، أرشيفية
من يفوز بالمعركة بين السيارة والدبابة”، التي تدور في شوارع العاصمة السودانية الخرطوم في القتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم، والمفارقة أن الحرب التي أخرجت هذه المعادلة إلى النور، وسميت بـ”حرب التويوتا”، حدثت على تخوم السودان قبل أكثر من ثلاثة عقود.
فمنذ أن ظهرت المدرعات، ولا سيما الدبابات في نهاية الحرب العالمية الأولى، بدا أن الجيوش النظامية حسمت المعركة ضد الميليشيات والجيوش الخفيفة، ولكن الحرب الليبية التشادية، التي جرت على تخوم إقليم دارفور السوداني في الثمانينات، غيرت هذه المعادلة وجعلت الميليشيات والجيوش النظامية الخفيفة قادرة على التصدي للجيوش الحديثة المدججة بالدبابات الباهظة التكلفة وأحياناً هزيمتها.
والمفارقة أيضاً أن هذه الحرب لعبت دوراً كبيراً في أزمة دارفور، التي أدت بدورها لظهور الدعم السريع ثم صعود دورها في مجمل البلاد، وصولاً لتنافسها الحالي مع الجيش على حكم البلاد.
كان الصراع الليبي والتشادي في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي بمثابة ولادة لاستراتيجية عسكرية أصبحت شائعة في مناطق عديدة من العالم، وهي استخدام شاحنات بيك آب مدنية خفيفة الوزن لنقل القوات، وكمنصات للأسلحة.
إليك ما حدث في حرب التويوتا، ولماذا سميت بذلك؟
كانت تشاد وجارتها ليبيا في حالة نزاع. على طول الحدود بين البلدين، وضع قطاع أوزو -منطقة متنازع عليها يشاع أنها تحتوي على وفرة من اليورانيوم- وهو مورد طبيعي ذو قيمة للرئيس الليبي معمر القذافي، الذي كان لديه طموحات لتحويل ليبيا إلى قوة نووية. بدأ نظام القذافي محاولاته للاستحواذ على الأراضي الصغيرة من خلال تمويل مجموعات صغيرة من المتمردين المناهضين للحكومة في تشاد الذين كانوا متعاطفين مع ليبيا.
عارض الرئيس التشادي حسين حبري فكرة التوسع الليبي في المنطقة، والتي قابلها القذافي بتوسيع قواته في قطاع أوزو.

في عام 1987، تحول النزاع الحدودي إلى قتال واسع.
كانت هناك القوة الاستكشافية الليبية – وهي مفرزة أسلحة مشتركة للجيش الليبي، والتي كانت مكونة من “8000 جندي، و300 دبابة قتال من طراز T-55 الروسية، وقاذفات صواريخ متعددة ومنتظمة ومدفعية وطائرات هليكوبتر من طراز Mi-24 وستين طائرة مقاتلة.
على الجانب الآخر، كان الجيش التشادي وهو قوة أقل تقدماً بشكل كبير يغلب عليها المشاة، وبدون التكنولوجيا المناسبة لمواجهة آلة الحرب الليبية.
ولكن كان الجنود الليبيون محبطين وغير منظمين.
من ناحية أخرى، لم يكن لدى التشاديين سوى 10 آلاف جندي متحمس، ولكن بدون دعم جوي ولا دبابات مدرعة.
الفرنسيون منعوا الليبيين من استخدام الطائرات ضد التشاديين
ومع ذلك، بحلول عام 1987، يمكن أن تعتمد تشاد على القوات الجوية الفرنسية لإبقاء الطائرات الليبية على الأرض.
ولكن ربما الأهم من ذلك، أن هناك أسطولاً من 400 بيك آب من تويوتا مجهزاً بصواريخ MILAN المضادة للدبابات التي أرسلتها الحكومة الفرنسية، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضاً تجهيزها بمدافع رشاشة من عيار 0.50، مع مدافع قذائف قديمة للأغراض المضادة للطيران أو حتى مجموعات الصواريخ لاستخدامها كمدفعية على طراز الحرب العالمية الثانية.
أثبت هذا المزيج اللوجستي أنه متفوق على ذلك الذي استخدمه الجيش الليبي، حيث يمكن لشاحنات بيك آب تويوتا أن تتفوق بسهولة على الدبابات الروسية المدرعة بشدة.
في حين أن الدبابات الروسية استهلكت حوالي 200 لتر لكل 100 كم، استهلكت شاحنات تويوتا نحو العشر، أي 10 لترات لكل 100 كم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لشاحنات تويوتا تعبئة مجموعات من 20 شخصاَ في سيارة واحدة، مما يتيح سرعة نقل ونشر القوات في ساحة النزاع؛ وهي ميزة لم تكن تمتلكها الدبابات الروسية.
وتغير تاريخ حروب المركبات في معركة فادا المفصلية تحديداً، عام 1987 حين هزمت تشاد قوة قوامها 5000 ليبي، مع مقتل ما يقرب من 800 جندي مشاة ليبي، وتدمير 92 دبابة من بين العديد من المركبات الأخرى.
وعلى الجانب التشادي، فقد 18 جندياً فقط أرواحهم، وثلاث من المركبات التي كانت مسؤولة عن تحول الأحداث.
ولذا سيمت هذه الحرب بـ”حرب التويوتا”.
في المجموع، قُتل في حرب التويوتا 7500 رجل ودُمرت أو تم الاستيلاء على معدات عسكرية بقيمة 1.5 مليار دولار. بالمقابل، خسرت تشاد 1000 رجل فقط وقليلاً من المعدات العسكرية (لأنه كان لديها بالأصل القليل من المعدات)، حسبما ورد في تقرير لموقع Navarra الإسباني.

وكانت كلمة السر تويوتا، حسبما ورد في تقرير لموقع greydynamics.
سميت المرحلة الأخيرة تحديداً من الصراع الليبي التشادي باسم حرب تويوتا الكبرى بعد نشر ما يقرب من 400 شاحنة بيك آب تويوتا هيلوكس مسلحة – وهو التكتيك الذي أعطى تشاد انتصارها النهائي.
كانت هناك بالطبع عوامل أخرى أدت إلى نتيجة حرب التويوتا هذه غير المتوقعة، من بينها دعم فرنسا لتشاد وكذلك الاستخدام الذكي للمضادات الأرضية والصواريخ والمدافع الرشاشة من قبل التشاديين.
أسباب نجاح سيارات تويوتا في هذا الدور
كانت تشاد عبر “حرب التويوتا” مهد ما أصبح الاتجاه المستقبلي للحرب غير التقليدية – نشر سيارات تويوتا هيلوكس ولاندكروزر في النزاعات داخل البلدان الفقيرة؛ حيث استخدمت في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وحتى أيرلندا الشمالية.
لفهم جاذبية استخدام هذه المركبات بشكل أكبر، هناك بعض الخصائص الأساسية للبدء بها:
قابلية التنقل: مع الدفع الرباعي والمحرك والإطار القوي، تم تشكيل التقنية لتحمل البيئات القاسية والتضاريس الوعرة التي توجد عادة في مناطق الصراع التي يتم استخدامها فيها.
ومن بين المزايا التي تتمتع بها هذه المركبات هي القدرة على التحرك بسرعة قوة ضاربة قوية عند استخدامها بشكل صحيح في ساحة المعركة.
الأسلحة: العامل الفني لكسب المال هو الاختيار المتنوع للأسلحة التي يمكن تركيبها على مؤخرتها. في حرب تويوتا، كان هذا هو ما دفع التشاديين إلى النصر – تحويل شاحنة صغيرة إلى منصة خفيفة الوزن وعالية الحركة مضادة للطائرات.
التكلفة: سعر سيارة دفع رباعي من تويوتا حالياً يدور حول 40 ألف دولار، بينما تصل تكلفة الدبابة الواحدة إلى بضعة ملايين من الدولارات، وعربات المشاة القتالية المجنزرة التي تشبه الدبابات، ولكن قادرة على حمل جنود أكثر ومدفع أصغر يمكن أن تدور حول مليون دولار، العربات المدرعة المدولة يمكن أن يدور سعرها حول بضع مئات من الآلاف من الدولارات.
بنفس سعر الدبابة يمكن شراء أكثر من عشر سيارات تويوتا وتسليحها، أي يمكن لبضع عربات تويوتا محاصرة دبابة أو عربة مدرعة وتدميرها، بتكلفة أقل من ثمن الدبابة عدة مرات.
لماذا تميزت تويوتا تحديداً في هذا المضمار مقابل منافسيها؟
ورغم أن شركات غربية عدة تنتج أنواعاِ شهيرة من عربات الدفع الرباعي مثل جيب الأمريكية ولاندروفر البريطانية؛ فإن سيارات تويوتا كانت مفضلة للتشاديين، ومن سيأتي بعدهم، لأنها رخيصة ومتوفرة بكثرة، وقطع غيارها متاحة، كما أنها اعتمادية وقليلة الأعطال، إضافة إلى تمتعها بميزة السرعة مع خفة الوزن في الوقت ذاته.
كما يبدو أن الحمض النووي لشركة تويوتا يعتمد على تصميمات المركبات العسكرية، فقد بدأت قصة تويوتا مع سيارات الدفع الرباعي، عندما تلقت الشركة تصميم شاحنة من طراز BM وجيب ويليز من الجيش الأمريكي كجزء من جهود الحرب الكورية في الخمسينيات. في النهاية، تحولت نسخة تويوتا من الجيب إلى ما يُعرف اليوم باسم “لاندكروزر”.
فبقاء تويوتا من الحرب الكورية من خلال الصراعات المعاصرة يرجع إلى قدرتها على التكيف، حسبما ورد في موقع Military Times.
يمكن التكهن بأن شركة تويوتا سعيدة بالصيت الذي تكسبه الميليشيات لسياراتها، خاصة عندما تحققت هذه السمعة من خلال انتصار جيش إفريقي (تشاد) مدعوم من دولة غربية (فرنسا) ضد جيش دولة عربية تتبنى القومية العربية (ليبيا)، ولكن مع تحول سيارات تويوتا لأداة فعالة في يد جماعات إسلامية بعضها مصنف إرهابي في الدول الغربية، تحاول أن تتبرأ تويوتا من هذه السمعة، وتقول إنها تحاول تتبع مبيعات سياراتها لمنع وقوعها في الأيدي الخطأ.
استخدم مقاتلون حول العالم سيارات أخرى غير تويوتا، أغلبها يابانية، ولكن ظلت الحروب تسمى باسم حرب تويوتا.
حروب تويوتا توسعت لمناطق أخرى
في الصومال كانت جيوش التويوتا شائعة جداً؛ حيث كانت قوة بارزة في الحرب الأهلية الصومالية في التسعينيات، وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
يصف ديفيد كيلكولين في كتابه “الخروج من الجبال: العصر القادم للحرب العصابات الحضرية” ما يلي حول استخدام التقنيات في الصومال:
في البيئة الصومالية من المنظمات العشائرية المجزأة وشبه النظامية التي ظهرت فيها هذه التكتيكات، كانت الطريقة التي يصبح بها شخص ما قائد فرقة في المقام الأول هي امتلاك سيارات تويوتا أو أسطول منها.
لذلك كان من الغباء أن ينزل ويتنازل القائد عن السيطرة على الشاحنة النارية لشخص آخر – ناهيك عن ترك شخص خلفه يحمل مدفعاً رشاشاً.
كما أن العديد من الجماعات الجهادية الأفغانية استخدمتها في نهاية الثمانينيات خلال الغزو السوفييتي، واستخدمت حركة طالبان شاحنات تويوتا بعد إخراج السوفييت في سنوات الحرب الأهلية الأفغانية منتصف التسعينيات.

وتقول تقارير أجنبية إن هذه السيارات كانت النوعَ المفضل أيضاً لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن والمحيطين به، وقد امتلكها مقاتلو التنظيم بشكل كبير.
في نزاع الصحراء الغربية المستمر، من المعروف أن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر تستخدم سيارات تويوتا ضد الجيش المغربي الحديث.
كما استخدمها تنظيم داعش وفروع القاعدة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وحتى كارتلات المخدرات المكسيكية تستخدمها.
المفارقة أنه بينما كان جيش القذافي أول جيش حديث يُهزم على يد مقاتلي التويوتا التشاديين، فإن نظام القذافي نفسه سقط بعد استخدام المعارضة الليبية بدورها حشوداً هائلة من شاحنات تويوتا ضد قواته، وبالطبع في ظل الحماية الجوية التي وفرها حلف الناتو في بعض الأوقات.
الجيوش الغربية العريقة بدأت تقلد هذه الاستراتيجية
استخدمت القوات البريطانية سيارات لاندروفر مسلحة في كل من العراق وأفغانستان، ولم تضف إلا مؤخراً مستويات منخفضة من الدروع، ووفقاً لويليام إف أوين من مجلة Small Wars Journal.
يمكن لهذه المركبات أن تحمل بسهولة 4-6 رجال بأسلحة خفيفة، مثل أر بي جي، بالإضافة إلى المياه وحصص الإعاشة ومعدات الاتصالات.
من الناحية الوظيفية والعسكرية، لا يوجد فرق بين السيارة الأمريكية الشهيرة هامفي الباهظة التكلفة، مسلحة بصاروخ TOW مضاد للدبابات وسيارة تويوتا Hilux مع صواريخ AT-4/7/14 ATGM – وهو نظام أسلحة شائع.
ولكن تويوتا أرخص بكثير، وهذا يعني بنفس الأموال يمكن أن تكون لديك منصات قتالية أكثر من تويوتا.
حقيقة أن هذه المركبات يمكن أن تعمل في مواجهة مع مركبة عسكرية تقليدية، وقد تتفوق عليها أمر مثير للقلق للجيوش.
يستخدم العسكريون المحترفون في البلدان المتقدمة هذا التكتيك، ولكن في مهمة مختلفة عن نظرائهم في الميليشيات.
عند الحاجة، استخدمت وحدات العمليات الخاصة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عربات البيك آب، جنباً إلى جنب مع القوات التي تدعمها.
هذا يسمح لفرق العمليات الخاصة بالاندماج مع السكان المحليين، والحفاظ على القدرات القتالية المرنة، وعدم التضحية بسرعة الحركة.
يمكن ملاحظة ذلك في تمرين فلينتلوك السنوي في إفريقيا، الذي يشارك في تحالف من وحدات العمليات الخاصة.
دارفور أرض التويوتا وإليها تعود
علاقة إقليم دارفور بالتويوتا وحروبها المعقدة.
يعتقد أن جزءاً من مشكلات وانتشار السلاح، في المنطقة يعود للحرب الليبية التشادية، ففي خلال صراعه مع التشاديين وسعيه لتأسيس إمبراطورية عربية في إفريقيا أسس القذافي ما يُعرف باسم الفيلق الإسلامي، الذي ركز على تجنيد عرب دارفور وتشاد، مما زاد الاحتقان بين القبائل العربية والإفريقية في الإقليم.
وبعد اندلاع أزمة دارفور، أخفقت قوات الجيش السوداني في التصدي لقوات المتمردين التي اعتمدت بشكل كبير على سيارات الدفع الرباعي التي أصبحت شائعة في المنطقة، خاصة أنها ملائمة لتضاريسها الوعرة وغياب الطرق الممهدة.
لجأ الجيش السوداني لأن يحارب النار بالنار، فجنّد قوات الجنجويد من القبائل العربية التي جاء اسمها من كلمة جن وجواد أي الجن الذي يركب الحصان، حيث شنت هذه الميليشيات هجمات على المتمردين والقرى الإفريقية باستخدام الخيول والجمال، وأيضاً سيارات البيك آب من شركة تويوتا وغيرها.
ومع تحول الجنجويد لقوات الدعم السريع، أصبحت عربات الدفع الرباعي التي تحمل الرشاشات الثقيلة وقاذفات الآر بي جي سلاحاً فعالاً في يد قوات الدعم التي لم تكتفِ فقط بالقضاء على التمرد في دارفور، بل انتشرت في مناطق السودان الأخرى لمنع التهريب وقمع التمردات، وكذلك خارج السودان في ليبيا، واليمن وتشاد وإفريقيا الوسطى.

بدا واضحاً أن قوات القمع السريع قد وصلت بحروب التويوتا لذروتها، وأنها حولتها من أداة دفاعية لدى الجيش التشادي الضعيف أمام الجيش الليبي الأقوى عدة مرات، إلى وسيلة لقيام قوى ميليشياوية بمحاولة القضاء على جيش نظامي ليس صغيراً مثل الجيش السوداني.
وهذا أمر يجعل هذه المعركة لها أهمية كبيرة بالنسبة لجيوش العالم، فانتصار قوى الدعم السريع على الجيش السوداني نذير خطير بالنسبة للجيوش النظامية، خاصة أنه بعد أن اتبع الجيش الأوكراني أساليب تشبه حرب العصابات في المراحل الأولى لصراعه مع الجيش الروسي، أدت إلى إيقاع خسائر كبيرة في الدبابات الروسية.
ولكن المعركة أمام التويوتا مختلفة هذه المرة، حيث تدور بشكل كبير في شوارع الخرطوم، وهي لا تستخدم لعمليات كر وفر في الصحراء، ولكن لشن هجمات على مقرات محصنة للجيش السوداني، الأمر الذي يمثل صعوبة كبيرة أمام مشغليها.
وإذا كانت معادلة الحرب الأوكرانية الأولى كانت الطائرات المسيّرة ضد الدبابات، فإن معادلة الحرب السودانية، هي الدبابات ضد التويوتا.
كما أن مصير المعركة في السودان سيتوقف بشكل كبير على قدرة كل طرف على إدارة مسائل اللوجستيات والتموين، وهي مسائل يفترض أن الجيش السوداني يحظى فيها بأفضلية.
كما تُعد الطائرات متغيراً مهماً في المعادلة لإنقاذ دبابات الجيش السوداني وأي جيش آخر أمام أسراب العربات الرباعية الرخيصة المحمّلة بأنظمة الصواريخ المضادة للطائرات.
وإذا وجدت الميليشيات أداة لتحييد الطائرات مثل الاستخدام الفعال للمضادات الأرضية المحمولة على الأكتاف، أو محاولة تحييدها كما فعل حميدتي في بداية القتال، فإنه هذا سيكون له تأثير كبير في موازين القوى بين الجيوش النظامية والميليشيات.
علامات:
سؤال الحرب بين البرهان وحميدتي.. هل تحول حلم الديمقراطية في السودان إلى كابوس؟
تم النشر: 2023/04/19 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/19 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش

تظاهرات في العاصمة السودانية الخرطوم تطالب بعودة الحكم المدني/ الأناضول
كان التحول الديمقراطي في السودان هو الهدف والحلم لغالبية السودانيين بعد الإطاحة بعمر البشير، وظل هذا الأمل يتأرجح صعوداً وهبوطاً على مدى 3 سنوات، فهل قضى القتال بين الجيش والدعم السريع على هذا المسار نهائياً؟
كانت الاشتباكات قد اندلعت، السبت 15 أبريل/نيسان، بين وحدات من الجيش السوداني موالية لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي.
واندلعت هذه الاشتباكات، وهي الأولى منذ أن اشترك البرهان وحميدتي في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، في إطار المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني، والتي كان انقلاب عسكري، في أكتوبر/تشرين الأول 2021، قد أعادها للمربع صفر.
لكن السودانيين لم يصلوا إلى هذه اللحظة الدموية من فراغ، فالصراع على السلطة بين البرهان وحميدتي تحديداً لم يبدأ بعد الإطاحة بعمر البشير مباشرة، حيث كان الرجلان ضمن معسكر واحد يراه السودانيون معادياً للمسار الديمقراطي أو الانتقال إلى الحكم المدني.
رحلة البحث عن الديمقراطية في السودان
لم يتوقف سعي السودانيين للتمتع بحكم مدني ديمقراطي بعيداً عن الحكم العسكري والسلطوي، الذي ميز نظام الرئيس السابق البشير على مدى 30 عاماً، ومرت رحلة السعي هذه بمراحل متعددة خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن المؤكد هو أن حرب الشوارع المستعرة حالياً بين وحدات الجيش وميليشيات الدعم السريع، في الخرطوم وباقي مدن السودان، تمثل محطة هي الأخطر ليس فقط في رحلة البحث عن الديمقراطية، بل في تاريخ ومصير البلاد ككل.
لم تنفجر الأمور في السودان فجأة بطبيعة الحال، فالتحشيد بين الجانبين كان مستمراً منذ أسابيع، وتبادل الاتهامات كذلك، وبالتالي فإن تحول الصراع على الكرسي إلى اقتتال وحرب شوارع في الخرطوم وباقي مدن السودان لم يكن إلا مسألة وقت، فالمتصارعان على السلطة قائد الجيش وقائد ميليشيات عسكرية.
لكن هذه المحطة الدموية سبقتها محطات أخرى كثيرة ومتنوعة على طريق الصراع السياسي، كانت بدايتها يوم 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، وبالتحديد من مدينة عطبرة الشمالية، حين تجمع مئات المواطنين للاحتجاج على ارتفاع أسعار الخبز.
في ذلك الوقت كان نظام عمر حسن البشير هو المتحكم في البلاد منذ أكثر من 29 عاماً، وسرعان ما انتشرت عدوى المظاهرات من عطبرة إلى العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، وتحول المئات إلى عشرات الآلاف، فالأزمة الاقتصادية كانت خانقة ولا تتوقف فقط عند حدود رفع أسعار الخبز.
الرد جاء أمنياً بطبيعة الحال، وأطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع، العنوان الأبرز لفض التظاهرات والاحتجاجات في العالم العربي، إضافة إلى إطلاق الرصاص بأنواعه، مطاطياً كان أو رصاصاً حياً قاتلاً.
واستمرت الاحتجاجات في السودان لمدة 4 أشهر تقريباً، وفشلت محاولات نظام البشير في قمعها، وفي يوم 6 أبريل/نيسان 2019، بدأ مئات الآلاف من المتظاهرين اعتصاماً أمام مقر الجيش في الخرطوم، وبعد خمسة أيام من بداية الاعتصام قرر الجيش السوداني عزل الرئيس عمر البشير واحتجازه، واعتبر ذلك اليوم خطوة مهمة على طريق التحول الديمقراطي.

انتهى حكم البشير السلطوي الممتد لثلاثة عقود، لكن المتظاهرين واصلوا الاعتصام، مطالبين بتسليم السلطة للمدنيين، بعد تعيين وزير الدفاع وقتها، أحمد عوض بن عوف، قائماً بأعمال رئيس الجمهورية، ليتنحى عوف عن المنصب بعد يوم واحد من شغله، ويتولى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان المنصب، فيستمر الاعتصام والاحتجاجات.
في ذلك الوقت كان الأمل في انتزاع التحول إلى الحكم المدني من بين أنياب المؤسسة العسكرية قوياً، وكان الأمل مسيطراً على المشهد رغم التضحيات الكبيرة. لكن يوم 3 يونيو/حزيران 2019، شهد محطة أخرى مأساوية عنوانها “مجزرة اعتصام القيادة”، حين داهمت قوات الأمن الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش، ويقول مسعفون على صلة بالمعارضة إن أكثر من 100 شخص قُتلوا في المداهمة، لتعرف إعلامياً بوصف “مجزرة القيادة”، ووجهت القوى المدنية المعتصمة أصابع الاتهام لقوات الدعم السريع.
ثم جاءت أسعد لحظات هذه المسيرة عندما وقعت قوى الحرية والتغيير، يوم 17 أغسطس/آب 2019، اتفاق المرحلة الانتقالية مع المجلس العسكري، ليتشكل مجلس السيادة وتظهر حكومة الدكتور عبد الله حمدوك للنور. كان اتفاق تقاسم السلطة مع الجيش خلال فترة انتقالية كان يفترض أن تؤدي إلى إجراء انتخابات، خطوة هامة على طريق التحول الديمقراطي بالفعل.
الانقلاب على المسار الديمقراطي
لكن دوام الحال من المحال، إذ استيقظ السودانيون يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، على حملة اعتقالات، شملت رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدداً من وزرائه ومستشاريه وقادة قوى “إعلان الحرية والتغيير”، المكون المدني في السلطة الانتقالية في البلاد، ثم ألقى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان بياناً في اليوم نفسه، أعلن خلاله جملة قرارات أنهت عملياً الشراكة بين العسكر والمدنيين في البلاد.
قرر البرهان إقالة حكومة حمدوك ومديري الولايات في السودان، كما حل مجلس السيادة، وألغى قرار حل المجلس العسكري، وجمد عدداً من مواد الوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس/آب 2019، كانت بمثابة دستور للفترة الانتقالية في البلاد، وانفرد البرهان وزملاؤه في المجلس العسكري بالسلطة في البلاد. إنه انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي أعاد المسار الديمقراطي في السودان إلى المربع الأول.
لكن العودة إلى المربع الأول تعني أن الكرة عادت مرة أخرى إلى الشارع، فخرج الآلاف يهتفون ضد العسكر، ويطالبون بالديمقراطية والحكم المدني، وبدا واضحاً أن الأمور لن تستتب لقادة الانقلاب في البلاد، إلا بالعودة إلى مسار تقاسم السلطة مع المدنيين، وصولاً إلى الانتخابات كما كان مقرراً من قبل.

وهكذا عاد حمدوك إلى المشهد بعد توقيع اتفاق سياسي جديد مع البرهان وحميدتي وباقي قيادات المجلس العسكري، لكن هذا الاتفاق شق صف التيار المدني وتحول حمدوك، بين ليلة وضحاها، من رمز للديمقراطية في السودان إلى “خائن” انضم لمعسكر الانقلابيين من قادة الجيش.
وعلى مدى شهور طويلة من الشد والجذب، استمرت الأمور على حالها تقريباً، بين شارع ثائر ومصمم على العودة إلى المسار الديمقراطي من جهة، وقادة عسكريين مصرين على عدم التخلي عن السلطة وامتيازاتها من جهة أخرى. وبطبيعة الحال ازداد التدخل الإقليمي والدولي فيما يحدث، وسط سعي كل طرف داخلي إلى وجود ظهير إقليمي ودولي داعم له ولمطالبه.
خلال تلك الفترة بدأت الأمور تتضح أكثر بشأن الصراع على السلطة واللاعبين الرئيسيين في هذا الصراع، وبسبب الاختلافات والخلافات بين مكونات المعسكر المدني في السودان، بدا أن المتصارعين الرئيسيين على السلطة لا ينتميان إلى المعسكر الديمقراطي بأي حال من الأحوال، والحديث هنا عن قائد الجيش ونائبه قائد ميليشيات الدعم السريع.
هل انتهى حلم الديمقراطية في السودان؟
إذا اختلف المسلحون لجأوا إلى السلاح لتصفية خلافاتهم، وهذا ما حدث للأسف في السودان. فالتوصل إلى اتفاق إطاري جديد للمرحلة الانتقالية شهد تدخلات إقليمية ودولية، وأصبحت نقاط الخلاف الرئيسية لا تتعلق بالمدنيين ولا بمطالبهم ولا بالمسار الديمقراطي من الأساس، بل تمحورت حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وهذا في حد ذاته أمر لافت.
هذا الصراع بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وما إذا كان ذلك يجب أن يتم خلال عامين كحد أقصى كما كان يريد معسكر البرهان، أو 10 سنوات كما كان يريد معسكر حميدتي، كشف بوضوح أن الرجلين كانا يستعدان لمرحلة جديدة في السودان عنوانها “الديمقراطية لن تمر من هنا”، وكل منهما يرى أن هذه هي اللحظة المناسبة للتخلص من الآخر كونه المنافس الأبرز.
مارينا بيتر، الخبيرة الألمانية في الشأن السوداني ورئيسة جمعية “المنتدى السوداني”، ترى أن تصاعد الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع الآن أحد أسبابه هو أن حكومة مكونة من قوات عسكرية وقوى مدنية، أشبه بحكومة حمدوك، كانت قريبة من العودة للمشهد مرة أخرى، إذ كان هناك اتفاق بهذا المعنى، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكان من المقرر ظهورها في ديسمبر/كانون الأول.

وتضيف مارينا لشبكة DW الألمانية أن الصراع على السلطة انحصر مؤخراً بين البرهان وحميدتي، وأصبح واضحاً أن أحدهما سيحتل أعلى منصب قيادي: “بالنسبة لنا، ممن يراقب الوضع عن كثب، وبالخصوص بالنسبة للسودانيين أنفسهم، لم يكن السؤال: ما إذا كان سيكون هناك صراع على السلطة، بل إن السؤال كان متى. فالكارثة كانت متوقعة”.
وترى الخبيرة الألمانية أنه من المستحيل أن يتحول قادة الجيوش إلى ديمقراطيين بين ليلة وضحاها، كما يعتقد البعض في الغرب: “القادة العسكريون بقدر ما يتصرفون كما لو أنهم اكتشفوا الديمقراطية فجأة، فإنهم يستخدمون هذه الإعلانات فقط لتحسين صورهم. في الأشهر القليلة الماضية، حاول حميدتي على وجه الخصوص استمالة أجزاء من السكان من خلال إدانة الانقلاب العسكري. قال بالطبع إنه كان مؤيداً للديمقراطية، لكن كل هذا لم يُقل إلا في النهاية للحصول على نقطة انطلاق أفضل في الصراع على السلطة”.
لا أحد يعرف من سينتصر في الصراع الدموي الحالي، حميدتي وميليشياته أم البرهان ووحدات الجيش التي تدعمه، كما لا يمكن الجزم بالمدى الزمني ولا الطبيعة التي سيستقر عليها هذا الاقتتال، لكن ربما يكون الشيء الوحيد المؤكد هو أن الشعب السوداني وحده هو من يدفع الفاتورة الباهظة لهذا الصراع على السلطة بين الطرفين، أما التحول الديمقراطي فيبدو أن الحلم قد تحول إلى كابوس.
علامات:
صراع السلطة في السودان.. هل أساء حميدتي تقدير الموقف عندما سعى للتخلص من البرهان عسكرياً؟
تم النشر: 2023/04/18 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/18 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش

عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي في السودان / رويترز
تستمر حرب الشوارع في السودان بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ”حميدتي”، في ظل تفوق نسبي بدأ يلوح في الأفق بالنسبة للطرف الأول، فهل أخطأ حميدتي في حساباته؟
كانت الاشتباكات قد اندلعت، السبت 15 أبريل/نيسان، بين وحدات من الجيش السوداني موالية لرئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي.
واندلعت هذه الاشتباكات، وهي الأولى منذ أن اشترك البرهان وحميدتي في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019، بسبب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش، في إطار المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني، والتي كان انقلاب عسكري في أكتوبر/تشرين الأول 2021 قد أعادها للمربع صفر.
من أطلق الرصاصة الأولى في السودان؟
موقع أسباب المختص بالتحليل السياسي والاستراتيجي تناول قصة الصدام بين البرهان وحميدتي، ورصد كيف قرر الجيش السوداني إنهاء “مغامرة” الدعم السريع، وسط حسابات محلية وإقليمية ودولية معقدة للغاية.
وكان تحليل سابق لموقع أسباب قد رصد مؤشرات عديدة على احتمال أن يندلع هذا الاقتتال بالفعل، منذ تم التوقيع على الاتفاق الإطاري الجديد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي تضمن بند دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق جداول زمنية محددة.
فذات الاتفاق حدد القوات النظامية في الجيش والشرطة والمخابرات العامة والدعم السريع رغم أنها قانوناً تابعة للجيش، وهو ما أثار حفيظة العسكريين، وخلال الثلاثة شهور الماضية تفاقمت الخلافات بين الجيش والدعم السريع على خلفية هذه القضية واعتبرها قادة الجيش أمناً قومياً للسودان.
ومع تفاقم حدة الأزمة أواخر فبراير/شباط، حشد حميدتي قرابة 30 ألف مقاتل إضافي إلى قواته بالخرطوم تحسباً لأي تحركات من الجيش، غير أن وساطات جمعته بالبرهان بداية مارس/آذار بهدف التهدئة، وطلبت قيادات الجيش من حميدتي إعادة قواته إلى أماكنهم خارج الخرطوم لكنه لم يستجب.
ثم عقدت “ورشة الإصلاح الأمني والعسكري” في 26 مارس/آذار الماضي، وفشلت أيضاً في الخروج بتوافق بين ممثلي الجيش والدعم السريع ليتم إرجاء التوقيع على الاتفاق النهائي وتشكيل الحكومة الذي كان مقرراً له بداية أبريل/نيسان الجاري.

وبالتالي فإن الأمور في السودان لم تنفجر فجأة بطبيعة الحال، فالتحشيد بين الجانبين كان مستمراً منذ أسابيع، وتبادل الاتهامات كذلك، وبالتالي فإن تحول الصراع على الكرسي إلى اقتتال وحرب شوارع في الخرطوم وباقي مدن السودان لم يكن إلا مسألة وقت، فالمتصارعان على السلطة قائد الجيش وقائد ميليشيات عسكرية.
فمنذ انقلاب أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، الذي أطاح باتفاق المرحلة الانتقالية، يعيش السودان حالة من عدم الاستقرار والاضطرابات والاحتجاجات. ولم يكن التوصل إلى اتفاق إطاري جديد يحكم المرحلة الانتقالية، ويحظى بدعم المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة، كافياً لأن تسير الأمور في الاتجاه الصحيح أخيراً، في ظل عدم رضا قيادات الجيش عن وضع قوات الدعم السريع شبه الموازي للجيش.
وفي الوقت نفسه، تلاقت رغبة عدد من الأطراف الداخلية والخارجية بضرورة تحجيم نفوذ حميدتي في المشهد بعد توقيع الاتفاق الإطاري، حيث سعى حميدتي خلال الفترة الأخيرة لامتلاك طائرات مسيرة وأسلحة ثقيلة، فرأت قيادة الجيش أن الوقت قد حان لإنهاء حالة قوات الدعم السريع ووضع حد لطموح حميدتي دون أي تأن في ذلك، وعليه تمسكت قيادات الجيش بمطلب الدمج وتكوين جيش سوداني موحد خلال الفترة الانتقالية المقررة عامين بحسب الاتفاق الإطاري، في حين أصر حميدتي على أن يكون الدمج خلال عشر سنوات.
حميدتي يستبق خطوات البرهان لتحجيمه
بالإضافة لذلك؛ أعلن البرهان في 12 أبريل/نيسان عن تكوين قوة للتدخل السريع تحت إمرة القائد العام للجيش، وعن اتجاه الجيش لتعزيز قدراته من الطيران المسير لمواجهة التهديدات الداخلية والخارجية. كما أعلن عن قرب تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة تحت قيادته، كبديل عن المجلس السيادي، ويليه في التراتبية العسكرية رئيس أركان الجيش الفريق أول محمد عثمان الحسين، ثم الفريق أول شمس كباشي؛ وهو ما يجعل من حميدتي مجرد عضو في مجلس يهمين عليه قيادات الجيش دون امتيازاته السابقة كنائب لرئيس المجلس السيادي.
أما على المستوى الخارجي، فقد استفزت تحركات حميدتي في إفريقيا الوسطى ومناوشاته على الحدود مع تشاد بالتعاون مع قوات فاغنر الروسية، الولايات المتحدة الأمريكية ودولاً غربية؛ وهو ما أعطى ضوءاً أخضر بشكل ضمني للعسكريين من أجل تحجيم نفوذه.
من جهة أخرى؛ استشعرت مصر خطر تنامي نفوذ قائد ميليشياوي مثل حميدتي على الأمن القومي المصري، حيث ترى القاهرة أن الجيش السوداني هو صمام الأمان بالنسبة لمصر وهو المعبر عن “تقاليد الدولة” وليس قائد الميليشيات التي تتورط وتوظف في صراعات في عدة دول.
وهكذا دعمت القاهرة واستضافت المجموعة المدنية الرافضة للاتفاق الإطاري لعرقلة تنفيذه بالتوازي مع تعميق العلاقة المستمر مع قيادة الجيش، وإن كان الدور المصري وحده ليس حاسماً في ترجيح موازين القوى في السودان في ظل قدرة أطراف أخرى على الضغط على الجيش اقتصادياً مثل السعودية والإمارات، أو سياسياً مثل الولايات المتحدة، التي ربما لا تنوي ممارسة ضغوط فورية على البرهان؛ باعتبار أن إضعاف حميدتي المقرب من روسيا يمثل مصلحة أمريكية.

على الجانب الآخر، يستند حميدتي على الدعم الإماراتي والعلاقات المعقدة مع روسيا؛ فمع تفاقم حدة الأزمة بينه وبين البرهان في فبراير/شباط الماضي زار الإمارات لمدة أسبوع لبحث تطورات الوضع ومآلاته، وقبل بدء الاقتتال بيومين زار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد القاهرة للقاء نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وهو ما قد يشير إلى محاولة الإمارات الضغط على الجيش السوداني عبر حليفه المصري للتفاهم مع حميدتي والتخلي عن إجراءات تهميشه.
كما عمل الإعلام المحسوب على الإمارات خلال الأيام الماضية على إعادة تأهيل صورة حميدتي باعتباره الداعم لعملية التحول للحكم المدني في مواجهة تمسك البرهان ببقاء نفوذ الجيش وتحالفه مع فلول نظام البشير من الإسلاميين.
وفي هذا السياق، أصدرت قوات الدعم السريع بياناً، الثلاثاء 18 أبريل/نيسان، قالت فيه إنها تخوض معركة لاسترداد “حقوق شعبنا”، وأضافت: “لقد انطلقت منذ السبت الماضي ثورة جديدة حققت انتصارات متوالية وما زالت مستمرة لبلوغ غاياتها النبيلة وفي مقدمتها تشكيل حكومة مدنية تمضي بنا نحو تحول ديمقراطي حقيقي”، بحسب رويترز.
هل أخطأ حميدتي حسابات القوة العسكرية على الأرض؟
على الرغم من أن حميدتي هو من أطلق شرارة المواجهة العسكرية، فإن هذا لا يعني أنه يتمتع بأفضلية في تشكيل المشهد الحالي. فالواقع أن تحرك الدعم السريع جاء كخطوة استباقية للتصدي لإجراء تقليم أظافره، وهو ما يعكس قناعة حميدتي أنه بلا خيارات بعد أن صارت المواجهة وجودية بالنسبة لمستقبله.
إذ تميل موازين القوة العسكرية لمصلحة الجيش؛ نظراً لتسليح قوات الدعم السريع المتوسط، وصعوبة استمرار قدرتها على القتال في مواجهة الجيش. ومع هذا؛ فليس من المرجح أن تنتهي المواجهات سريعاً، ربما باستثناء العاصمة التي من المرجح أن يحسم الجيش سيطرته عليها.

لكن يظل التهديد الأبرز هو أن انتهاء مخطط دمج قوات الدعم السريع في الجيش وميل قياداته لتفكيك هذه المنظومة بدلاً من احتوائها، يعني على الأرجح تحول الدعم السريع إلى ميليشيا إقليمية متمردة، خاصة في مناطق نفوذها غربي السودان، مما يزيد من التهديدات المتعلقة بتماسك ووحدة البلاد، التي تعاني أصلاً من تداعيات انحسار ظل الدولة مقابل تعميق الولاءات الجهوية والقبلية والعرقية.
وكان البرهان قد أصدر قراراً بحل قوات الدعم السريع واعتبارها ميليشيات متمردة خارجة على القانون، في خطوة أخرى تؤكد أن معركة تكسير العظام قد تستمر إلى نهايتها، في ظل إصرار الجانبين على عدم وقف إطلاق النار حتى حسم الحرب.
علامات:
إرث الاستعمار وأخطاء الحكومات وأطماع الثوار.. التاريخ المؤلم للحروب الأهلية بالسودان ومخاطر تجددها
تم النشر: 2023/04/17 الساعة 12:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/17 الساعة 20:39 بتوقيت غرينتش

الرئيس السوداني السابق عمر البشير مع رئيس جنوب السودان سيلفا كير/رويترز
رغم أن الحروب الأهلية في السودان أمر شائع وسمة رئيسية لتاريخ البلاد الحديث، ولكن لأول مرة يشهد السودان حرباً أهلية في قلب عاصمته، الأمر الذي ينذر بأن البلاد وصلت إلى أزمة غير مسبوقة في تاريخها وأن النيران التي طالما اندلعت في الأطراف وصلت لقلب البلاد.
في هذا التقرير نرصد الحرب الأهلية في السودان، وتأثيراتها على اقتصاد البلاد، وتركيبتها السياسية، ومخاطر اندلاعها من جديد جراء الأزمة الحالية.
أسباب الحروب الأهلية في السودان
السودان دولة في شمال شرق إفريقيا، يحدها من الجنوب الغربي جمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد من الغرب، ومصر من الشمال، والبحر الأحمر من الشرق وإريتريا من الشمال الشرقي، وإثيوبيا من الجنوب الشرقي، وليبيا من الشمال الغربي، وجنوب السودان من الجنوب.
يبلغ عدد سكان السودان 45.7 مليون نسمة في عام 2022 ومساحته 1.886.068 كيلومتراً مربعاً، مما يجعلها ثالث أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة، وثالث أكبر دولة من حيث المساحة في جامعة الدول العربية. كانت أكبر دولة من حيث المساحة في إفريقيا وجامعة الدول العربية حتى انفصال جنوب السودان في عام 2011.
رغم أن السودان دولة طاردة للاجئين، فإنها تستضيف أيضاً عدداً كبيراً من اللاجئين من دول أخرى، بلغ عددهم أكثر من 1.1 مليون لاجئ في عام 2019. غالبيتهم من جنوب السودان (858607 نسمات) وإريتريا (123.413)، إضافة إلى 1.864.195 نازحاً داخلياً، وفقاً لإحصائيات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
ويمثل العرب حوالي 70% من سكان السودان وغالبية السكان الكاسحة من المسلمين، تشمل الأعراق الأخرى البجا والفور والنوبيين والأرمن والأقباط، وكثير منهم يتحدث اللغة العربية أيضاً كلغة تعامل يومي.
عكس معظم الدول العربية فإن مساحة السودان الكبيرة هذه ليست مجرد صحراء فارغة، بل نسبة كبيرة منها سافانا متنوعة الثراء ويعمل نسبة كبيرة من السكان في الرعي، إضافة للمزارعين؛ مما يخلق مشاكل بين الطرفين.
كما أن البلاد عانت دوماً من ضعف السلطة المركزية وتدهور شبكات النقل التي تقلل قدرة السلطة على السيطرة، والتقلب بين الحكم العسكري المستبد والديمقراطي الضعيف.

ومن أكبر المشكلات التي تواجهها البلاد الخلافات بين القبائل خاصة ذات الإثنيات المختلفة حول حقوق الملكية والرعي، في ظل زيادة عدد السكان والهجرات الداخلية والخارجية والتغيرات المناخية وانتشار السلاح، مما خلق نزاعاً على الموارد.
كل ذلك ساهم في تردي أوضاع البلاد ونشوب حروب أهلية متعددة.
وتميل الأدبيات الغربية واليسارية وكذلك التي يقدمها المتمردون في مناطق السودان إلى تركيز اللوم على السلطة المركزية لا سيما الجيش والإسلاميين، وكذلك نخب الوسط المنتمية للقبائل العربية، واتهامهم بتهميش الأطراف والأقليات، والعنصرية العربية أحياناً.
وقد يكون هذا صحيح جزئياً، ولكن تتجاهل هذه الأدبيات حقائق أكثر قوة، منها تبني متمردي ومثقفي وقادة الأطراف والأقليات لمقاربات عنصرية معادية للعروبة (وللإسلام في جنوب السودان)، وكذلك تبني الأطراف سلسلة من المزايدات التي لا تتوقف حول الحقوق والتهميش التي لا يمكن تلبيتها، حتى ولو كان بعضها صحيح.
كما أثبت قادة حركات التمرد المناطقية أنهم أمراء حرب أكثر منهم مناضلين، فكثير من متمردي دارفور تحالفوا مع عدوهم السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، والجيش السوداني، ضد المعارضة المدنية السودانية، وساعدوا في إفساد وثيقة تسليم السلطة التي وقعت عام 2019، عبر الإصرار على توقيع اتفاق جوبا في أكتوبر/تشرين الأول 2020 الذي نص على دمج الحركات المسلحة في عملية تسليم السلطة، ولكنه أطاح بالموعد المحدد سابقاً لتسليم قائد الجيش السوداني رئاسة مجلس السيادة لمرشح مدني.
كما أن موقف كثير من الحركات المسلحة المتمردة كان أقرب لتأييد إطاحة الجيش بالحكومة الانتقالية بقيادة عبد الله حمدوك في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو الانقلاب الذي أدى لتدهور أوضاع البلاد.
ويتم تجاهل تأثير التدخل الأجنبي في أزمات السودان لا سيما التدخل الغربي وكذلك دول مثل إريتريا وتشاد وأثيوبيا، وحتى مصر التي كانت دوماً مع وحدة السودان وضد انفصال الجنوب تعاونت مع الحركة الشعبية لتحرير السودان قائدة التمرد الجنوبي لفترة رداً على أنشطة حكم حزب الجبهة الإسلامية المعادية لها خاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995.
وفي مواجهة صعوبة السيطرة على البلاد المترامية الأطراف، لجأت السلطة المركزية والجيش ليس فقط للعنف الباطش فقط، ولكن أحد التكتيكات الشائعة هو ضرب المكونات المناطقية ببعضها بعضاً، مثل اللجوء للقبائل العربية للتصدي للتمرد في الجنوب قبل الانفصال، وتكرر ذلك في دارفور، وهناك تقارير عن تجنيس النظام لقبائل إريترية مسلمة في الشرق لخلق قوى موالية له، الأمر الذي يخلق بدوره سلسلة من الأزمات الجديدة.
ويرى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى في كتابه “سنوات الجامعة العربية“، أن سياسة التهميش وقعت فيها الحكومات المركزية السودانية تجاه الأطراف كافة، وفشل هذه الحكومات المتعاقبة في تعزيز قيم المواطنة، التي تنصهر فيها النزاعات العرقية والدينية والقبلية.
أبرز الحروب الأهلية في السودان
الحرب الأهلية في جنوب السودان.. أطول حروب القارة التي تعود جذورها لسياسات بريطانيا
عملت بريطانيا خلال استعمارها للسودان على خلق فجوة بين الشمال العربي المسلم والجنوب ذي الأغلبية الوثنية والذي تقوده أقلية مسيحية، لدرجة أنه في عام 1922، صدر إعلان بريطاني بإغلاق مناطق جنوبية يقول “لا يجوز لأي شخص من غير أهالي السودان أن يدخلها ويبقى فيها إلا إذا كان حاملاً رخصة بذلك، ويجوز للسكرتير الإداري أو مدير المديرية منع أي شخص من أهالي السودان من دخول تلك الجهات أو البقاء فيها”.
كما عززت السلطات الاستعمارية دور البعثات التبشيرية، وسياسة إضعاف الثقافة العربية، وإحلال الموظفين الجنوبيين محل الشماليين، ومنع التجار الشماليين من الوصول إلى الجنوب، حسبما يقول عمرو موسى في كتابه سنوات الجامعة العربية.
وبعد الاستقلال، اتهمت نخب الجنوب سكان الشمال السودان بالعنصرية ضدهم وركز مثقفو الجنوب على تاريخ الاسترقاق القديم لبعض الجنوبيين.
كما ناصبت النخب الجنوبية المسيحية المتأثرة بالغرب أي مظاهر لعروبة السودان العداء، واعترض الكثير منها على تطبيق الشريعة حتى في الشمال، كما تبنت بعض نخب الجنوب دعوات لوصف السكان العرب الشماليين بالغزاة.
وبعد فترة قليلة من الاستقلال، نشبت أطول الحروب الأهلية في السودان، إن لم يكن في التاريخ البشري الحديث، وهي الحرب في جنوب السودان والتي بدأت جولتها الأولى من عام إلى 1959 إلى 1972، ثم تجددت من عام 1983 إلى 2005، واعتبرت أطول حرب أهلية تشهدها القارة الإفريقية.
وركز خطاب الحركة الشعبية لتحرير السودان القائدة للتمرد الجنوبي والتي تتحكم بها نخب الجنوب المسيحية على التفريق بين العرب والأفارقة في السودان، بهدف جذب القبائل الإفريقية المسلمة في الشمال.
واستهلك الصراع المميت بين المقاتلين الانفصاليين في الجنوب والحكومة في الخرطوم في الشمال قدرات البلاد لعقود؛ مما أودى بحياة أكثر من مليوني شخص.
في 9 يناير/كانون الثاني 2005، تلبية لدعوة الحكومة الكينية، شارك العديد من القادة العرب والأفارقة في مراسم توقيع اتفاق السلام الشامل بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان بنيروبي.
جاء الاتفاق بعد إخفاق قوات الجيش السوداني في حسم الصراع وإحساس كثير من الإسلاميين السودانيين أن الجنوب يعرقل مشروعهم لترسيخ الهوية العربية والإسلامية للبلاد، إضافة لضغوط غربية ولا سيما أمريكية على الخرطوم بما فيها وعود برفع العقوبات عن السودان (لم تتحقق).

ونص الاتفاق الشامل على فترة انتقالية مدتها 6 أعوام يتعاون خلالها الشمال والجنوب في حكم البلاد، ويكلف جون جارنج قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان التي قادت التمرد بمسؤوليات النائب الأول للرئيس السوداني. كما نصت الاتفاقية على تقاسم عائدات النفط (النصف لحكومة الجنوب والنصف للحكومة المركزية)، وحق الحركة الشعبية وحلفائها الجنوبيين في تشكيل حكومة للجنوب لإدارة شؤونه.
تم إجراء استفتاء الانفصال في 9 يناير/كانون الأول 2011 وكانت نتيجته أن اختار 98.83% من سكان جنوب السودان الانفصال عن جمهورية السودان.
من الدول التي ساعدت الجنوب على الانفصال إسرائيل، كما دعمت العديد من الدول الإفريقية المجاورة للسودان مساعي انفصال الجنوب، إضافة للدعم الغربي.
أدى انفصال الجنوب لتضرر الاقتصاد السوداني بشدة لأن معظم النفط كان يتركز في المناطق الجنوبية.
بعد تشكل الدولة الجديدة سرعان ما تفجر صراع بين القبيلتين الرئيسيتين: “الدينكا” التي منها الرئيس سيلفاكير، و”النوير” التي منها نائبه رياك مشار.
انتهى الصراع رسمياً في عام 2018، ولكن أحدث دولة في إفريقيا لا تزال هشة، وتواجه أزمة إنسانية يعاني منها ملايين الأشخاص الذين يكافحون من أجل الغذاء.
وتقلبت العلاقات بين السودان وجنوب السودان بين التوتر والعلاقات الإيجابية، ولكنها بصفة عامة باتت تميل للإيجابية بعد عزل البشير، وتلعب جنوب السودان دوراً في بعض الوساطات بين الحركات المسلحة، والحكومة، ولكن يعتقد أنها تشجع وتمول الحركة الشعبية لتحرير السودان فصيل الشمال، والذي ما زال يتبنى نهجاً معادياً للعروبة والإسلام.
حرب دارفور
إقليم دارفور والغرب السوداني برمته يعاني من تهميش كبير، خاصة أنه إقليم شاسع المساحة بعيد عن العاصمة والبحر والنيل، يعاني من ضعف شديد في شبكة المواصلات وبيئة وعرة تجتمع فيها الصحاري القاحلة والسافانا الفقيرة مع الجبال الشاهقة.
وتمثل القبائل الإفريقية نحو 60% من سكان دارفور، ويعمل أغلبها بالزراعة، بينما تمثل القبائل العربية نحو 40% من السكان ويعمل أغلبها بالرعي، وقد تفاقمت الخلافات بين الفلاحين والرعاة مع زيادة السكان وأعداد حيوانات الرعي وانتشار السلاح والقلاقل من تشاد المجاورة، إضافة لتأثيرات التغيرات المناخية.
ما يسمى القبائل الإفريقية في دارفور، هي قبائل مسلمة تتبنى الثقافة العربية ولعبت دوراً كبيراً في ترسيخ هوية السودان الإسلامية العربية خاصة عبر سلطنة الفور.
التمرد بدأ بدعم من الحركة الشعبية والترابي
بدأ التمرد في دارفور بقيادة حركتين الأولى حركة تحرير السودان، والتي يعتقد أنها تحركت مدفوعة من الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كانت تقود التمرد الجنوبي والتي كانت قد وقعت لتوها اتفاق سلام الجنوب مع الحكومة ولكنها أرادت إشغالها بحرب جديدة، كما أن الحركة تتبنى الخطاب القائم على الوقيعة بين العرب والأفارقة.
والحركة الثانية هي حركة العدل والمساواة والتي يعتقد أنها قد تم تأسيسها على يد تلاميذ زعيم الجبهة الإسلامية وشريك البشير السابق حسن الترابي، وذلك بعد الخلاف بين الرجلين، بل يعتقد أن الترابي بنفسه ساهم في الدفع لتأسيس الحركة نكاية في البشير.
في ظل خروج الجيش السوداني للتو من حرب الجنوب المرهقة، وفي ظل حقيقة أن جزءاً كبيراً من جنود الجيش السوداني من إقليم دارفور، لجأ العسكريون لحيلة قديمة.
ففي مواجهة المتمردين من القبائل الأفاريقية التي كانت بعض شكاواهم متصلة بالخلافات مع القبائل العربية الرعوية، حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في دارفور، وكانت نواة هذه القوات، التي عرفت لاحقاً باسم “الجنجويد” مؤلفة من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي“.
تفيد تقارير بأنه قتل جراء العنف بدوافع عرقية في دارفور ما يصل إلى 300 ألف شخص منذ عام 2003، وفقاً لما تنقله وسائل إعلام غربية عن تقديرات الأمم المتحدة، حيث قامت جماعات الميليشيات العربية بتدمير وترويع القرى التي تسكنها المجتمعات الإفريقية العرقية بشكل رئيسي.

بالطبع تميل وسائل الإعلام الغربية للتركيز على العنف من قبل الميليشيات العربية المعروفة باسم الجنجاويد، وتتجاهل جرائم حركات التمرد التي تنتمي للقبائل الإفريقية.
وطلبت المحكمة الجنائية الدولية عدداً من قادة التمرد في دارفور للمثول أمامها بسبب شكوك بارتكابهم جرائم حرب، وفي عام 2010، مثل اثنان منهم بارتكاب جرائم قتل وتوجيه هجمات عن عمد في عام 2007 مما أدى إلى مقتل 12 من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي.
واتهم الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير من قبل المحكمة الجنائية الدولية بالإبادة الجماعية، وأطلقت في الإقليم عملية سلام مستمرة ولكن متقطعة ومتعثرة، ولكن الأمور هدأت بصفة عامة في الإقليم، بفضل الدور الذي لعبته قوات الدعم السريع في التصدي لقوات التمرد، والوساطات الدولية والعربية والإفريقية، فيما انضم بعض قادة التمرد للحكومة.
بعد الإطاحة بالبشير في انتفاضة شعبية عام 2019، تجدد العنف مرة أخرى في العام الماضي، ولكن بشكل محدود.
وأحد الشخصيات الرئيسية في الصراع الحالي في السودان، هو الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” كان قائداً سابقاً لمجموعة ميليشيا الجنجويد المخيفة التي نفذت بعضاً من أسوأ الفظائع ضد المدنيين في دارفور، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
النزاع على الأراضي مع إثيوبيا
“الفشقة” أرض خصبة بين السودان وإثيوبيا، يشبّهها سكان المنطقة بـ”الجزيرة” لوجودها بين ثلاثة أنهر، وذلك جعلها في فترات الخريف تعاني من انقطاع عن بقية أجزاء السودان بسبب وعورة الطرق (فيها والمؤدية إليها) وعدم تعبيدها.
الفشقة جزء من السودان وفقاً لخط “قوين” الذي رسم ضمن اتفاقية أديس أبابا في عام 1902، العام ذاته، خلال فترة الحكم الثنائي (البريطاني-المصري) للسودان، وجرى الترسيم بواسطة الضابط البريطاني تشارلز قوين، فأصبح الخط يُعرف باسمه.
في 1972، وقّع السودان وإثيوبيا اتفاقاً بشأن القضايا الحدودية، وكانت الدول في منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حالياً) صادقت عام 1963 على عدم تغيير الحدود المرسومة بواسطة الاستعمار، واعتمادها حدوداً فاصلة بين الدول المستقلة، وبالتالي أصبح خط “قوين” هو المعترف به دولياً بين السودان وإثيوبيا.
ولا يزال السودان وإثيوبيا يعترفان بكل من اتفاقية 1902 (هارنغتون-منيليك)، وبروتوكول الحدود لسنة 1903.
تاريخ النزاع حول “الفشقة” قديم، يعود إلى خمسينات القرن العشرين، لكنه ظل نزاعاً بين المزارعين السودانيين وجيرانهم الإثيوبيين. ويقدر حجم الأراضي الزراعية “المعتدى عليها” من جانب الإثيوبيين بنحو مليون فدان في أراضي “الفشقة”، بحسب السلطات السودانية.
وتُعَد ميليشيات “الشفتة” الإثيوبية أحد عوامل عدم الاستقرار على الشريط الحدودي، إذ ظهرت في خمسينات القرن الماضي كعصابات صغيرة بغرض النهب، وتحوّلت لاحقاً إلى ميليشيات كبيرة ومنظمة وامتلكت أسلحة ثقيلة.

وصارت تشن هجوماً على المزارعين السودانيين، ما أدى إلى إفراغ المنطقة، شرق نهر عطبرة، من السكان السودانيين، بحسب الخرطوم.
وتقول قومية “الأمهرا” في إثيوبيا إن تلك المنطقة هي أرض أجدادهم، وإنهم لن يتركوها. ومنذ نحو 70 سنة، كلما حل الخريف ينتشر المزارعون من “الأمهرا”، بدعم من “الشفتة” داخل الأراضي السودانية، ويزرعون فيها وتحدث احتكاكات ومناوشات.
وشهدت المنطقة حالات اختطاف مواطنين سودانيين مقابل فدية، ومقتل العشرات من عصابات “الشفتة”.
واشتد النزاع في أواخر عام 2020 بعد أن دفع القتال في منطقة تيغراي في إثيوبيا الجنود الإثيوبيين في المنطقة إلى المغادرة. ثم انتقلت القوات السودانية إلى الاستيلاء على أجزاء من الأراضي المتنازع عليها، وطردت المزارعين الإثيوبيين في هذه العملية، وفقاً لجماعات الإغاثة. وكان هناك تبادل للقصف عبر المنطقة المتنازع عليها، مع بعض الوفيات. هدأ القتال منذ ذلك الحين، ولكن النزاع الأساسي لا يزال دون حل.
صراع جبال النوبة
ولاية كردفان جزء من شمال السودان، ولكن جبال النوبة في جنوب الولاية تضم سكاناً يعتبرون أنفسهم أقرب للجنوبيين.
وتمتد جبال النوبة على طول 90 كيلو متراً ويصل ارتفاعها إلى 1500 متر، وهي منطقة وعرة بالنسبة لحركة المركبات مساحتها حوالي 30 ألف ميل مربع، وظلت لعقود خارج قبضة السلطة المركزية.
والسكان يعتقد أنهم خليط من المسلمين والمسيحيين والوثنيين، مع تقديرات بأن المسلمين أغلبية، ولكن تزعم تقارير بأن مسلمي جبال النوبة متأثرون بعاداتهم الدينية القديمة.
وتنقسم الجبال بين القمم التي تقطنها قبائل النوبة ذات الجذور الإفريقية (السكان الأصليون في السودان)، والسفوح التي تعيش فيها القبائل الرعوية العربية، وبين الفريقين تتوزع قبائل وفدت من غرب إفريقيا.
ويشدد الباحث تاج السر فضل الله على أن سياسة “فرق تسد” التي اتبعها المستعمر الإنجليزي بضرب طوق من العزلة على سكان الجبال ضمن سياسة “المناطق المقفولة” ساهمت في القطيعة بين القبائل الإفريقية والعربية، ولاحقاً أسهمت السياسات الحكومية الخاطئة (التهميش، غياب المشاريع، التجاوزات الأمنية) في تنامي إحساس الغبن لدى النوبة.

وقال لموقع”رصيف 22” إن تسليح القبائل العربية إبان عهد الديمقراطية الثالثة (1986 – 1989) أدى إلى استقطاب حاد نتج عنه تسليح قبائل الجبال.
بدأ الصراع بين الرعاة والمزارعين، يقول البعض إن الحكومة كان لها دور في تأجيجه؛ لأنها ضيقت مساحة الرعي؛ مما اضطر الرعاة إلى التوسع في الأراضي الزراعية، وهذا لا يتماشى مع الطبيعة الزراعية فنشب الصراع، حسبما ورد في تقرير لموقع “إضاءات“.
وتقع منطقة جبال النوبة، على الحدود مع دولة جنوب السودان التي نالت استقلالها نتيجة استفتاء شعبي عام 2011.
وكان “مجلس تحرير جبال النوبة” يتبع سياسياً وعسكرياً للحركة الشعبية – شمال. وخاض مقاتلو النوبة المعارك بجانب الحركة الشعبية في الجنوب قبل انفصاله، ويعتقد أنها تواصل دعم متمردي جبال النوبة.
وساهمت الطبيعة الجبلية للمنطقة في عزلة المنطقة ومنح مقاتلي النوبة ميزة قتالية استراتيجية، تتمثل في حرمان القوات الحكومية من سلاح الطيران، وفي صد الهجومات البرية المتكررة، حسبما ورد في تقرير لموقع “رصيف 22“.
وفر العديد من المدنيين في النوبة من قراهم ولجأوا إلى الكهوف الجبلية، وأبلغت منظمات الإغاثة عن نقص الغذاء والوفيات المدنية الناجمة عن الغارات الجوية الحكومية وتشريد الآلاف من الناس.
تم الإعلان عن وقف إطلاق النار في عام 2016، ولكن هناك مزاعم عن استهداف شعب النوبة في المنطقة من قبل الجماعات شبه العسكرية الموالية للحكومة في الخرطوم، حسب ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.
التوتر في الشرق
التوتر والصراعات في الشرق السوداني قد تبدو أقل حدة وعنفاً من باقي المناطق ولكنها لديها خطورة استثنائية نظراً لأهمية الإقليم الذي يوجد به موانئ السودان، ويلاصق إثيوبيا وإريتريا أكثر جيران السودان إثارة للمشكلات وتدخلاً في شؤونه الداخلية، إضافة إلى تعرض المنطقة لهجرة كبيرة من إريتريا.
ونتيجة للمظالم التاريخية التي تعرض لها الإقليم منذ فترة الاستعمار، تأسس مؤتمر “البجا” كتنظيم سياسي منذ عام 1950.
وبعد أن كان يطالب بتنمية الشرق بشكل سلمي، انتهج المؤتمر العمل المسلح عام 1994، وأسهم في تأسيس “التجمع الوطني الديمقراطي” مع بقية القوى السياسية المعارضة لنظام “الإنقاذ”، واتخذ من إريتريا مقراً له وقاعدة ينطلق منها عمله المسلح.
وخلال عهد “الإنقاذ”، ارتكبت عمليات قتل نفذها النظام السابق عام 2005، عرفت بـ”مجزرة بورتسودان”، وبعد اندماج مؤتمر “البجا” و”الأسود الحرة” داخل تنظيم “جبهة شرق السودان”، وقّع النظام السابق معها اتفاقية السلام في أسمرا عام 2006، حسبما ورد في تقرير لموقع “إندبندنت عربية“.
تعقدت الأزمة باتخاذها أبعاداً إثنية، وذلك بسبب الصراع حول الحقوق التاريخية في الإدارة والموارد، ووصل الأمر إلى احتدام صراعات دامية طالبت فيها بعض المكونات برحيل إثنيات “النوبة” القادمة من جنوب كردفان، و”الهوسا” وبعض القبائل القادمة من غرب السودان من دارفور.
ونشأت مطالب أخرى هي تقرير المصير واعتماد لغة “البداويت” لغة رسمية للإقليم بدعوى أن اللغة العربية لغة الدولة الرسمية لم تستطع صون الهوية اللغوية للمكونات الإثنية بالمنطقة. ووصل الأمر إلى أن يتم التفريق بين مواطن من شرق السودان ولاجئ بالتمييز لغوياً.
وزاد من تأزيم الصراع هجرة قبائل مسلمة من إريتريا هرباً من نظام أسياس أفورقي إلى شرق السودان، ويقول منتقدون للنظام السابق إنه قد منحهم الجنسية وخاصة قبائل بني عامر، من أجل خلق كتلة سكانية موالية له في الشرق، الذي يدعم منافسيه من الاتحاديين (الحزب الاتحادي) وغيرهم، لكن جاءت هذه السياسات على حساب الاستقرار والسلم الاجتماعي في الشرق.
ومع أن الشرق ليس له دور في الأزمة الحالية، ولكن انشغال أكبر قوتين في السودان الجيش وقوات الدعم السريع، بالصراع بينهما قد يتيح للقوى الانفصالية في الشرق، الفرصة للعمل على الانفصال.