هاشم علي حامد13 ديسمبر، 2016
إثيوبيا ضمن استراتيجية الانفتاح على العالم الخارجي وجذب خبرات الدول والشعوب، تضع أهمية لتركيا كدولة متقدمة وذات خصائص تاريخية وحضارية، إضافة لما تتمتع به من امكانيات مادية وتكنولوجية، وثقل على المستوى الدولي، كما شكلت تركيا إحدى أهم الدول بالنسبة للسياسة الخارجية الاثيوبية، بحيثيات تحديات الظرف السياسي والإقليمي، وبحيثيات الأهداف الاقتصادية.
فيما يتعلق بالظرف السياسي والاقليمي هناك قاسم مشترك في سياسة البلدين تجاه السلام الإقليمي الذي تنشده الدولتان في منطقة القرن الافريقي لدواعي ربما تكون متقاربة، فالسياسة الإثيوبية تعمل لسلام تحقق عبره غايات التنمية ضمن المشاريع الكبيرة التي تتطلع إليها وفي مقدمتها مشروع سد النهضة، وتركيا بما لديها من مصالح واهتمام بالقارة الافريقية، وهي التي رفعت تمثيلها الدبلوماسي في أفريقيا مؤخرا إلى 39 سفارة وأربع قنصليات، مقارنة بعام 2009، حيث كان عدد سفاراتها 12 سفارة فقط، تعتبر القارة الافريقية امتدادا استراتيجيا لها فيما تسعى إليه من مكاسب سياسية. وتمثل منطقة القرن الافريقي بالنسبة لها امتداداً حيويا ضمن حيثيات التحديات السياسية والجيوستراتيجية. وكان اهتمامها بدولة الصومال وما دفعت به من مساعدات مختلفة (حيث قدمت تركيا ما يزيد على 250 مليون دولار كمساعدات إنسانية) دلالة على توجه السياسة التركية الذي يجمع بين الواجب الحضاري الانساني والمصالح.
ويأتي الهدف الاقتصادي المباشر (نقل خبرات الدول) في السياسة الخارجية الاثيوبية الحالية كإحدى الأولويات فقد عملت إثيوبيا، تجاه ما تنشده عبر أفق العلاقات الدولية مهيئة كوادرها من سفراء ودبلوماسيين وفقا لخطط مستقبلية حيث حوًلت بعض من مسؤليها الكبار منهم وزير الخارجية الأسبق سيوم مسفن ووزير الثقافة الاسبق محمود دريد غيدي وآخرين.. إلى سفاراتها في بلدان مختارة كالصين، وروسيا، والهند، وكوريا الجنوبية..) كسفراء مهام دبلوماسية محددة، ونسبة لأهميتها كانت الدولة التركية في مقدمة تلك الدول، حيث كان فيها رئيس جمهورية إثيوبيا الحالي الدكتور مولاتو تشوميسفيرا في تركيا بعد أن كان يشغل وزيرا للزراعة.
إذن هناك تلاقي مصالح في كلا الاطارين السياسي والاقتصادي. إثيوبيا تدرك تراكم الخبرات التكنولوجية في مجالات صناعة الغزل والنسيج، والمعدات الكهربائية، ومجالات المعمار والطرق للشركات التركية، وما تتمتع به الدولة التركية من تميز وخبرات في المجالات الهندسية كافة، وفي هذا السياق تبرز مجموعة إشارات:
1ـ كان للدبلوماسية الهادئة التي تتعامل بها تركيا تجاه القارة الافريقية، وحرصها على تدشين علاقات انفتاح اقتصادي مع الدول الافريقية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 أثر كبير في تكوين علاقات متميزة مع الدول الافريقية.
2ـ في عام 2005 كشفت تركيا الغطاء عن (خطة أفريقيا)، وحينها شهدت العلاقات بين أنقرة والعديد من العواصم الأفريقية قفزات نوعية في حجم التبادل التجاري الذي تضاعف بنسبة تفوق 100%.
3ـ كان احتضان إسطنبول قمة تركيا/أفريقيا في أغسطس 2008م بمشاركة 49 دولة أفريقية وممثلي 11 منظمة إقليمية ودولية في مقدمتها الاتحاد الأفريقي، تعزيزا لتعاون بين الجانبين في شتى المجالات، حيث أصبحت تركيا “شريكا استراتيجياً” للاتحاد الأفريقي. وأسفرت قمة اسطنبول عن إعلان إسطنبول للتعاون التركي الأفريقي واعتماد وثيقتين مهمتين هما “إعلان إسطنبول للتعاون التركي الأفريقي: التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك”، و(إطار التعاون للشراكة التركية الأفريقية)، وهما الوثيقتان اللتان حددتا معالم العلاقات الاقتصادية، والثقافية، والسياسية، والاجتماعية بين تركيا ودول القارة الافريقية.
4ـ يتوقف مستقبل التعاون مع القارة الافريقية على قاعدة أساسية تقوم على “الشراكة الاستراتيجية”، والمصالح المشتركة، كما تعبر عن القيم المشتركة في أبعادها السياسية، والثقافية والأمنية. وكمحصلة لذلك التوجه توثقت العلاقة التركية مع البلدان الافريقية تطوراً انعكس إيجابيا على حجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى 25 مليار دولار في عام 2015، بعد ان كان لا يتجاوز الثلاثة مليار دولار لسنين سابقة.
5ـ العلاقات الاثيوبية التركية تأتي في مقدمة اهتمامات الاتراك ضمن أولويات العلاقة مع القارة الافريقية–حيث تمثل إثيوبيا ثقلا إقليمياً استراتيجيا في شرق افريقيا، فهي ذات حضارة قديمة وتاريخ مشترك مع الحضارة الإسلامية، إضافة إلى الامكانيات الاقتصادية، مما يجعل الاهتمام بها أحد دواعي الحاضر والمستقبل لبلد كتركيا.
6ـكان أول اتصال رسمي بين الإمبراطور الإثيوبي منليك ملك الحبشة والسلطان عبد الحميد الثاني عام 1896، ثم افتتحت تركيا أول قنصلية عامة لها في مدينة “هرر” شرقي إثيوبيا عام 1912، وأول سفارة لها في إثيوبيا عام 1926، بعد قيام الجمهورية التركية عام 1923.
7ـ في العهد الحديث كان لتركيا دور بارز في مساعدة إثيوبيا تجاه كارثة الجفاف التي عانت منها منطقة عفر (شرق اثيوبيا) عام 2014، حيث تبرعت الحكومة التركية لمساعدة الالاف من الاسر المتضررة بالإقليم.
8ـ بلغت استثمارات تركيا في إثيوبيا نحو 2.5 مليارات دولار، وتتطلع أنقرة إلى زيادتها لتصل إلى 10 مليار دولار بنسبة زيادة تبلغ 300% حسب ما صرح به السفير التركي لدى إثيوبيا “فاتح أولوصوي” مؤخراً، مضيفا ان بلاده تتطلع لرفع حجم استثماراتها في إثيوبيا بنحو 300%، ورفع حجم التبادل التجاري بين البلدين من 420 مليون دولار ليبلغ مليار دولار بنسبة زيادة تبلغ 138% خلال الاشهر القادمة. وتعتبر الاستثمارات التركية هي الأكبر بين الاستثمارات الأجنبية المباشرة في إثيوبيا مشًكلة نصف الاستثمارات الاجنبية، متفوقة بذلك على الصين والهند عبر 350 شركة تركية أتاحت نحو 10 ألف فرصة عمل. كما يستضيف “السوق التجاري الإثيوبي شركات استثمارية تركية كبرى، من أمثالBME للكابلات، وايكا اديس (Ayka Addis) للنسيج.
9ـ العلاقات الإثيوبية التركية بعد تخطيها برتوكولات الدبلوماسية إلى الواقع المنظور ترسم ملامح تعاون يتجاوز الأطر الاقتصادية إلى آفاق التعاون السياسي الاستراتيجي ضمن ما تشكله أفريقيا من اهمية لتركيا. وقد جاء في حديث للسفير التركي لدى اثيوبيا فاتح أولوصوي أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا في الوقت الحاضر بلغ 19.5مليار دولار، موضحا أن بلاده صدرت بضائع إلى أفريقيا في نهاية عام2015 بقيمة 12مليار دولار، فيما استوردت من أفريقيا ما قيمته7مليار دولار. وأضاف: “إن إثيوبيا هي رابع أكبر الشركاء لتركيا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء في استقبال الاستثمارات، ونسعى لجعلها الأولى، مضيفًا أن بلادهعازمة على تعزيز التعاون مع إثيوبيا في المجالات التجارية والاستثمارية خاصة من خلال القطاع الخاص التركي، وبيًن، أن بلاده لديها تنسيق وتعاون مع السلطات الإثيوبية في المحافل الدولية والإقليمية، باعتبار تركيا شريكا استراتيجيًا لإثيوبيا، حيث تشاركها قضايا تعزيز السلم والأمن ومكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي، معربًا عن تقدير بلاده لرسائل التضامن التي أرسلتها الحكومة الإثيوبية، لحكومة وشعب تركيا بخصوص المحاولة الانقلابية التي تعرضت لها تركيا في 15 يوليو من العام 2016م.
10ـ كانت أديس أبابا قد استضافت في مايو من العام 2014 منتدى الاعمال الإثيوبي التركي الذي تم على إثره توقيع مذكرة تفاهم بين الغرفة التجارية الإثيوبية، واتحاد رجال الأعمال والصناعيين الأتراك (توسكون).
11ـ خلال شهر اكتوبر 2016 زار وفد من المستثمرين الأتراك، مؤلف من23عضواً، إثيوبيا، واستقبلهم الرئيس الاثيوبي “مولاتو تشومي” في القصر الوطني مشجعا لهم على الاستثمار في إثيوبيا، واعدا بالدعم الحكومي المستمر، كما دعا إلى مزيد من الاستثمارات التركية. وعمل الوفد خلال إقامته على عقد العديد من المحادثات مع جهات حكومية مختلفة حول إمكانيات الاستثمار والفرص المتاحة، خاصة في مجالات الغزل والنسيج والزراعة، والجلود، وتجهيز الأغذية والأدوية التي طرقتها بالفعل عدد من الشركات التركية، إلى جانب قطاعات كالبناء والتشييد، كما يتعاون البلدان في قطاعات الطاقة بمختلف أشكالها، وفي مجالات توريد وتركيب المحولات ومد خطوط نقل الكهرباء.الخ.
12ـ لجمهورية تركيا اهتمام خاص بالنواحي الثقافية والتاريخية، حيث لا تنحصر علاقاتها بإثيوبيا على الجوانب السياسية والاقتصادية فحسب بقدر ما أخذته النواحي التاريخية والتراث الاسلامي من اهتمام، فكانت تركيا من أول الدول التي شرعت فعليا في تطوير عدد من المناطق الإثيوبية المرتبطة بالتاريخ الاسلامي كمنطقة نجاش في اقصى شمال شرق إثيوبيا، وعملت على تحديث المنطقة وشيدت مسجداً كبيراً يضم قبر ملك الحبشة الملك النجاشي (أصحمة بن أبهر 610 – 630 ميلادية) الذي آوى المهاجرين المسلمين الأوائل الذين فروا بدينهم إلى ارض الحبشة، وكان وصف النبي محمد (ص) له بأنه “ملك عادل لا يظلم عنده أحد”.
13ـ من واقع ممارسة السياسة الاثيوبية، وضمن ما يشهده العالم من تحول تتبنى اثيوبيا سياسة ما يمكن أن نطلق عليه “السلام من أجل التنمية”، وهي سياسة نابعة عن قناعة تعويض الفاقد الزمني الذي أضاعته الدولة الاثيوبية في ظروف حروب وعدم استقرار، وما ترتب على ذلك من معاناة إبان عهود سابقة. وتتبنى اثيوبيا سياسة السلام كسياسة خارجية متأنية وهادفة ومتعددة الأبعاد، لأجل تأسيس سلام اقليمي وعالمي يحقق الاستقرار والرفاهية. ضمن هذا الإطار تهتم اثيوبيا بروابطها مع دول العالم، وتواصل مسيرتها في السياسة الخارجية عبر انفتاحات جديدة كما هو حادث مع دول اوربية واسيوية وشرق اوسطية.
الاهداف الاثيوبية المباشرة في العلاقة مع تركيا:
1ـ الاستفادة من المكانة الدولية لتركيا وما تمثله حاليا من قوة سياسية واقتصادية معتبرة، فتركيا التي حقّقت المركز 18 ضمن الاقتصاد العالمي، يمكن أن تكون سنداً قوياً في قضية سد النهضة الذي يشكل لإثيوبيا هدفا استراتيجيا، بجانب الاستفادة من الخبرات الاقتصادية والتكنولوجية التركية في مشروع تحول الدولة الإثيوبية إلى دولة متوسطة وهي الاستراتيجية التي تنتهجها اثيوبيا للعقدين القادمين.
2ـ اعتمادها كقوة دولية صديقة في الحفاظ على ديمومة السلام الإقليمي بشرق افريقيا، فموقع تركيا الجغرافي من أهم أسباب قوتها إذ يجعلها متصلة بأوروبا وإيران والقوقاز وبالعالم العربي الوثيق الصلة بالقرن الافريقي.
3ـ مواجهة الإرهاب الذي تُجمع سياسة البلدين على ضرورة تطهير المنطقة منه، فضلا عن قضايا إقليمية ودولية متعددة كالهجرة غير القانونية، وقضية اختلال المناخ وتلوث البيئة، وقضايا الحروب الاهلية بالقارة الأفريقية، ..الخ
4ـ أكثر ما يوثق العلاقات الاثيوبية– التركية الإرث التاريخي لكليهما كحضارات إنسانية قديمة تدفع بماضيها وحاضرها كحافز تعاون